السؤال: أربع أمهات ذكرن في القرآن لم تلد ولم تتزوج ولم تنجب، من هن؟
- الإجابة: حواء عليها السلام، ومريم ابنة عمران، وآسيا امرأة فرعون، وأم القرى (مكة المكرمة).
شرح الإجابة:
إن القرآن الكريم، في بلاغته العميقة، يستخدم اللفظ في سياقات متعددة تحمل دلالات تتجاوز المعنى الحرفي المباشر. مفهوم “الأمومة” في هذا السياق لا يقتصر فقط على الولادة البيولوجية، بل يمتد ليشمل معاني الأصل، والرعاية، والاحتضان، والمركزية. هذا التنوع في المعنى يتجلى بوضوح في قصص أربع “أمهات” ورد ذكرهن في النص القرآني، كل واحدة منهن تمثل حالة فريدة تتحدى المفهوم التقليدي للأمومة.
لنبدأ أولاً بالسيدة حواء، أم البشرية جمعاء. هي الأم التي وُجدت ولم تُولد، فقد خلقها الله سبحانه وتعالى من نفس واحدة، هي آدم عليه السلام، كما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾. إذن، هي أصل النسل الإنساني وأمه الأولى، لكنها لم تمر بتجربة الولادة من أم قبلها، مما يجعلها حالة استثنائية في تاريخ الخلق.
ثم ننتقل إلى حالة أخرى تمثل معجزة إلهية خالصة، وهي السيدة مريم ابنة عمران. لقد كانت أمًا أنجبت نبي الله عيسى عليه السلام، ولكن دون أن تتزوج أو يمسسها بشر. هذا الأمر الإلهي الخارق للعادة يؤكده القرآن بوضوح في قولها: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾. فأمومتها كانت آية من آيات الله وقدرته المطلقة، لتصبح رمزًا للطهارة والعفة والإيمان العميق.
والآن، نتأمل في شخصية ثالثة تجسد أمومة الرعاية والرحمة، وهي آسيا امرأة فرعون. لقد كانت زوجة لأعتى طغاة الأرض، لكن قلبها امتلأ بالإيمان والشفقة. لم تنجب ولدًا من صلبها، ولكنها تبنت نبي الله موسى عليه السلام رضيعًا وأنقذته من بطش زوجها، فقالت: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾. لقد منحته حنان الأم وحمايتها، فضرب الله بها مثلاً للذين آمنوا، فأمومتها كانت أمومة اختيار وموقف إيماني عظيم وليست أمومة رحم.
وأخيرًا، نصل إلى المفهوم المجازي العميق للأمومة في “أم القرى”، وهي مكة المكرمة. إنها ليست كائنًا حيًا، بل هي مكان ذو مكانة مركزية في الإسلام. وصفها الله بهذا الاسم في قوله: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾، لأنها أصل الأرض ومنبع الرسالة الخاتمة، وقلب العالم الإسلامي الذي تتجه إليه الأفئدة والصلوات. فأمومتها هنا رمز للمرجعية والأصل والاحتواء الروحي لكل المسلمين، وهي لم تلد ولم تتزوج ولم تنجب بطبيعة الحال، لكنها “أم” بمكانتها وقداستها.