السؤال:
ما هو الشيء الذي تراه في الظلام ولا تراه في النهار، يتكلم جميع لغات العالم إلا لغتك أنت، أبوك يحذرك منه وأمك توصيك به، له عين لا يغمضها أبداً وعينه الثانية لا ترى، إذا حذفت أحد حروفه صار اسم صحابي، وإذا حذفت حرفين صار اسم مشرك؟
الإجابة: السواد.
شرح الإجابة:
إن حل هذا اللغز المتشعب يكمن في كلمة واحدة ذات أبعاد متعددة وهي “السواد”، فهو ليس مجرد لون، بل مفهوم يتشكل معناه حسب السياق. ففي الظلام الحالك، يصبح السواد هو الكيان المرئي الوحيد، بينما يتبدد حضوره في وهج النهار وسطوع النور، وهذا يفسر الجزء الأول من اللغز بكل بساطة فيزيائية، لكنه يفتح الباب لمعانٍ أعمق.
ثم ينتقل بنا اللغز إلى بُعدٍ رمزي، فكيف يتحدث السواد كل اللغات؟ إنه لا ينطق بلسان، بل يتكلم عبر لغة عالمية تفهمها كل الثقافات؛ وهي لغة الإشارة والرمز. فاللون الأسود قد يرمز إلى الحزن أو الحداد في مكان، وإلى القوة والهيبة في مكان آخر، وقد يدل على شؤم الحرب ورؤيتها القاتمة. هذه الدلالات الرمزية يفهمها الجميع دون الحاجة إلى ترجمة، لكنها لا تتحدث لغتك المنطوقة تحديدًا، سواء كانت عربية أو غيرها، لأن لغتها شعورية وليست صوتية.
أما عن التناقض الظاهري في وصايا الوالدين، فيتجلى فيه التلاعب البلاغي بكلمة “السواد”. فالأب، رمز الحكمة والسمعة، يحذرك من “سواد الوجه”، وهو تعبير مجازي راسخ في الثقافة العربية يدل على الخزي والعار وفعل ما هو مشين. وعلى النقيض تمامًا، توصيك الأم، رمز الخصوبة والحياة، بـ “تكثير السواد”، ويُقصد به هنا زيادة النسل والعزوة، أي أن يصبح عدد أفراد العائلة كبيرًا كـالسواد الأعظم من الناس، وهو مصدر فخر وقوة.
إقرأ أيضا:وحدة قياس الطاقة الحركية هي s2/m2.gk صواب خطأوهنا يتجلى العمق الفلسفي للغز في وصف العينين، فعبارة “له عين لا يغمضها أبداً” هي رمزية شعرية تشير إلى ثبات السواد ودوامه في غياب الضوء، وقد فسرها البعض تفسيرًا إيمانيًا أعمق بالإشارة إلى عين الله التي لا تنام ولا تغفل وتحرسك في كنف الظلمة. أما “عينه الثانية لا ترى” فهي إشارة واضحة إلى طبيعة الظلام نفسه، فهو لا يكشف لك ما حولك، بل يحجب الرؤية، فهو حاضر لكنه لا يُبصِر ولا يُريك شيئًا.
وفي الطبقة الأخيرة من هذا الصرح اللغوي، نصل إلى الألغاز التاريخية المضمنة في حروف الكلمة ذاتها. فالكلمة نفسها “سواد” هي اسم الصحابي الجليل سواد بن غزية الأنصاري، الذي وردت له قصة مشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر. وإذا ما انتقلنا إلى مستوى أكثر تعقيدًا من التلاعب اللفظي، فإن حذف حرفين من الكلمة (الواو والألف) يترك لنا الحرفين الأساسيين (السين والدال)، وهما المكونان الرئيسيان لاسم أسد، في إشارة إلى أحد زعماء قريش قبل الإسلام وهو أسد بن عبد العزى، وهكذا يكتمل بناء اللغز بكافة أبعاده المادية والرمزية والتاريخية.
إقرأ أيضا:إذا زاد طول سلك نحاس إلى الضعف ونقصت مساحة مقطعه إلى النصف فان مقاومته تزيد