السؤال: يا أيها المفتي الذي في العلم قد جدّ وجدّ، ما اسم أنثى زُوّجت سبعون زوجًا في العدد، بعقد مهرٍ واحدٍ عقدًا صحيحًا في العدد، فإن أقبلت فهي امرأة وإن أدبرت كانت ولد؟
- الإجابة:حج يوم الجمعة.
شرح الإجابة:
إن هذه الأحجية، أيها الطالب، لا تُحَل بالمنطق الحسابي أو البحث في سجلات الزواج، بل هي قطعة فنية بديعة تمزج بين دقة اللغة العربية وعمق المفهوم الديني. إنها تتطلب منك النظر إلى ما وراء الكلمات الظاهرة، لتكتشف أن كل مفردة فيها هي رمز يشير إلى معنى أبعد وأسمى.
فالبداية تكمن في فك شفرة “الأنثى”. هذه الأنثى ليست كائناً حياً، بل هي “الحَجَّة” نفسها. فكلمة “حَجَّة” في لغتنا العربية هي اسم مؤنث، وهذا هو الخيط الأول الذي يمسك به العقل لحل هذا اللغز المتقن. ومن ثم، ننتقل إلى “السبعين زوجاً” الذين ارتبطت بهم. هؤلاء ليسوا رجالاً، بل هم رمز للفضل العظيم والمكافأة المضاعفة. إذ يُعرف في الموروث الإسلامي أن الحج إذا وافق يوم الجمعة، وتحديداً وقفة عرفة، فإن أجره يعادل أجر سبعين حجة في غير هذا اليوم. فكل “زوج” يمثل حجة كاملة من حيث الثواب. أما “عقد المهر الواحد” فهو إشارة بليغة إلى أن هذا الأجر الهائل يُنال بعمل واحد فقط، وهو أداء فريضة الحج في ذلك التوقيت المبارك.
وهنا نصل إلى ذروة الإبداع في صياغة اللغز، وهي النقطة التي تميز بين حالتين: “فإن أقبلت فهي امرأة، وإن أدبرت كانت ولد”. هذا التحول المدهش يعتمد كلياً على التلاعب اللغوي الذكي. “فإن أقبلت”، أي إن تحقق الشرط وأتى يوم عرفة موافقاً ليوم الجمعة، فإننا نطلق عليه اسم “جُمُعَة”. وكلمة “جُمُعَة” هي أيضاً اسم مؤنث، فتكون الأنثى (الحَجَّة) قد أصبحت “امرأة” (جُمُعَة).
وعلى النقيض تماماً، “إن أدبرت”، أي فات هذا التوافق ولم يكن يوم عرفة يوم جمعة، فإنها تفقد تلك المضاعفة وتعود إلى أصلها كحجة واحدة فقط. وهنا يستخدم اللغز كلمة “ولد” للإشارة إلى هذا الرجوع إلى الوحدة والأصل. فكلمة “حَجّ” كفعل ومصدر هي في صيغة المذكر، وبهذا تتحول “الحَجَّة” المؤنثة ذات القيمة العالية إلى مجرد “حَجّ” واحد، والذي يرمز له اللغز بكلمة “ولد” في مقابل “المرأة”، كدلالة على الانتقال من الحالة الخاصة المضاعفة إلى الحالة العامة المفردة. وبهذا يكتمل بناء اللغز الذي يرتكز على أعمدة اللغة والموروث الثقافي.