حل سؤال: ما أول فلز اكتشفه الإنسان؟
- إجابة السؤال هي : الذهب (Au) والنحاس (Cu).
شرح الإجابة:
لقد كان اكتشاف الفلزات خطوة عظيمة في مسيرة التطور البشري، ونقطة تحول غيرت مجرى الحياة على الأرض. ولم تكن هذه الانطلاقة بفلز واحد، بل بفاتحين اثنين: الذهب (Au) و النحاس (Cu)، فكلاهما ارتبطا ارتباطًا وثيقًا بالوجود البشري منذ آلاف السنين، كلٌ بطريقته الفريدة وخصائصه الجذابة.
في بادئ الأمر، كان الإنسان الأول يعيش ضمن العصور الحجرية، حيث اعتمد في حياته اليومية على الأدوات المصنوعة من الحجر والعظام والخشب. لكن العين البشرية الفضولية، وهي تتجول في الطبيعة، لمحت شيئًا مختلفًا يبرق على الأرض أو بين الصخور. كان هذا هو الذهب (Au)، وهو فلز يختلف عن الأحجار التي اعتادها، فهو لا يحتاج إلى عمليات معقدة لاستخراجه، إذ يوجد في حالته الطبيعية الخالصة، ويُعرف بكونه فلزًا خاملاً لا يتفاعل بسهولة مع الهواء أو الماء.
لقد لفت الذهب الأنظار ببريقه الأخاذ ولونه الأصفر البراق، بالإضافة إلى مرونته الفائقة. هذا الجمال الطبيعي وقابلية التشكيل بالطرق البارد جعلته مادة مثالية للزينة الشخصية ورمزًا للمكانة والجاه في المجتمعات القديمة. لذلك، بدأ الإنسان في جمع قطع الذهب الصغيرة، ليصنع منها قلائد بسيطة أو يزين بها أدواته، دون الحاجة إلى معرفة علم الكيمياء أو عمليات التعدين المعقدة التي جاءت لاحقًا. كان الأمر أشبه بالتقاط حبة لؤلؤ من الشاطئ؛ جاهزة للاستخدام بمجرد العثور عليها.
في موازاة ذلك، وفي مناطق جغرافية أخرى، بدأ الإنسان يكتشف النحاس (Cu). تمامًا مثل الذهب، كان النحاس يتواجد أحيانًا في حالته النقية، وإن كان أقل شيوعًا منه، في صورة كتل صغيرة تُعرف باسم النحاس الأصيل. ولكن ما ميز النحاس عن الذهب، هو أنه على الرغم من بريقه، إلا أنه كان أكثر صلابة قليلًا وأكثر عملية للاستخدامات اليومية. اكتشف البشر الأوائل أنهم يستطيعون طرق هذه الكتل النحاسية وتشكيلها في أدوات مفيدة، مثل الرماح البدائية أو رؤوس الأسهم، وهذا كان تقدمًا هائلًا مقارنة بصلابة الحجر وهشاشته.
لم يلبث الأمر طويلًا حتى جاءت اللحظة الحاسمة في تاريخ البشرية، والتي غيرت مسار الحضارة بشكل جذري. فبينما كان الإنسان يعتاد على استخدام النحاس الخام، لاحظ مصادفةً أن بعض الصخور التي تحتوي على النحاس، عندما تتعرض لحرارة عالية في النيران، تُصدر سائلًا لامعًا يتصلب ليصبح نحاسًا نقيًا. كانت هذه هي بداية عملية الصهر، وهي تقنية مبتكرة سمحت باستخلاص النحاس من الخام بكميات أكبر وبشكل أكثر كفاءة. هذه القفزة التكنولوجية، التي تطلبت فهمًا بدائيًا لـ الخواص الفيزيائية للمادة وتأثير الحرارة عليها، فتحت الأبواب على مصراعيها لعصر جديد.
مع إتقان فن الصهر، بدأ الإنسان في إنتاج النحاس بكميات كبيرة، الأمر الذي أحدث ثورة حقيقية في صناعة الأدوات و الأسلحة. لم يعد الناس يعتمدون على الحجر الهش أو العظام المحدودة، بل أصبح لديهم فلز قوي ومرن يمكن تشكيله وإعادة تشكيله. هذه الفترة التاريخية المهمة، التي تميزت بالاستخدام الواسع لـ النحاس، أطلق عليها علماء علم الآثار اسم العصر النحاسي، أو العصر الحجري النحاسي، وكانت بمثابة جسر انتقالي بين العصور الحجرية وعصر البرونز.
ولذلك، يمكن القول إن الذهب و النحاس كانا أول الفلزات التي اكتشفها الإنسان واستخدمها، كلٌ بطريقته. الذهب بسحره وجماله الذي استهوى النفس البشرية وزاد من اهتمامها بالزينة والرموز، والنحاس بخصائصه العملية وقدرته على تشكيل أدوات قوية، مما أسهم في تطور الحياة اليومية ومهارات الصيد والزراعة، ومهد الطريق لظهور الحضارات المبكرة في مناطق مثل مصر القديمة و بلاد ما بين النهرين. هذه الاكتشافات لم تكن مجرد إضافة لمواد جديدة، بل كانت محفزًا لتطور الفكر البشري والقدرة على الابتكار، وفتحت الباب على مصراعيه لاكتشاف الفلزات الأخرى والسبائك المعقدة مثل البرونز ثم الحديد في مراحل لاحقة، لتستمر مسيرة الإنسان في تسخير كنوز الأرض لخدمة حضارته.