حل سؤال: ما كثافة الفلزات مقارنة باللافلزات؟
إجابة السؤال هي : الفلزات عادة عالية الكثافة، اللافلزات منخفضة الكثافة.
شرح الإجابة :
لفهم هذا الاختلاف الجوهري، دعونا نبدأ بتحديد مفهوم الكثافة. هي ببساطة مقدار الكتلة الموجودة في حجم معين من المادة، ويمكن تخيلها كمدى ترابط وتلاصق جسيمات المادة ببعضها البعض. كلما كانت الجسيمات متراصة أكثر، كانت الكثافة أعلى.
عندما نتأمل في عالم الفلزات، نجد أنها تتميز بكثافة عالية في الغالب. يعود السبب الرئيسي لهذا إلى طبيعة ترابط ذراتها القوية. ترتبط الذرات الفلزية مع بعضها البعض بما يسمى بالروابط الفلزية.
هذه الروابط الفلزية تتكون نتيجة وجود إلكترونات غير متمركزة تتحرك بحرية بين الذرات الموجبة الشحنة. هذا البحر من الإلكترونات يعمل كـ “صمغ” قوي يشد الذرات لبعضها البعض بإحكام شديد. ونتيجة لذلك، تترتب الذرات في الشبكات البلورية بشكل متقارب جداً ومنظم.
بالإضافة إلى التعبئة المتقاربة، تسهم الكتلة الذرية للعديد من الفلزات في زيادة كثافتها. فمعظم الفلزات المعروفة تمتلك ذرات ثقيلة نسبيًا، وهو ما يعني وجود كتلة أكبر في نفس الحجم. على سبيل المثال، تعتبر الفلزات مثل الحديد والنحاس والذهب أمثلة ساطعة على مواد ذات كثافة عالية وملموسة في حياتنا اليومية.
في المقابل، عندما ننتقل إلى عالم اللافلزات، نلاحظ تباينًا واضحًا في كثافتها مقارنة بـالفلزات. غالبًا ما تكون اللافلزات أقل كثافة بشكل ملحوظ. ويعود هذا التباين إلى عدة عوامل مترابطة.
أولاً، تختلف طبيعة الروابط بين ذرات اللافلزات. ففي العديد من اللافلزات، تتشكل الروابط التساهمية القوية داخل الجزيئات نفسها، لكن القوى التي تربط بين هذه الجزيئات وبعضها البعض تكون ضعيفة جداً. هذه القوى البينية الضعيفة، مثل قوى فان دير فالس، تسمح بوجود مسافات أكبر بين الجزيئات.
ثانياً، الكثير من اللافلزات توجد في الحالة الغازية عند درجة الحرارة والضغط العاديين، مثل الأكسجين والنيتروجين. وفي الحالة الغازية تكون الذرات أو الجزيئات متباعدة للغاية وتتحرك بحرية، مما يؤدي إلى كثافة منخفضة جدًا. حتى اللافلزات التي تكون في الحالة الصلبة، مثل الكبريت أو الفسفور، تكون ذراتها أقل ترصيصًا من ذرات الفلزات.
ثالثاً، تتميز العديد من اللافلزات بامتلاكها كتلًا ذرية أصغر بشكل عام مقارنة بـالفلزات. هذا يعني أن كل ذرة أو جزيء يساهم بـكتلة أقل في الحجم الكلي للمادة. ورغم وجود بعض اللافلزات ذات كثافة عالية نسبيًا، مثل الماس، إلا أنها استثناءات لا تغير القاعدة العامة.
وبعيدًا عن هذه الرابطة الفريدة وتراص الذرات، ينبغي أن ندرك أن الفلزات عمومًا تستقر في ترتيبات بلورية فعالة للغاية. هذه الترتيبات تقلل المساحات الفارغة بين الذرات إلى أقصى حد ممكن. بالتالي، فإن الحجم الذي تشغله كل ذرة يكون ضئيلاً جدًا بالنسبة لـكتلتها.
في المقابل، تتميز اللافلزات بتنوع كبير في هياكلها الكيميائية. فمنها ما يشكل جزيئات فردية متباعدة، ومنها ما يشكل شبكات تساهمية ضخمة ولكن بـذرات أخف. وهذا التنوع يفسر المدى الواسع في كثافاتها، ولكنه لا يغير حقيقة أن معظمها أقل كثافة من نظرائها الفلزية.
كي تكتمل الصورة، يجب أن نذكر أن هناك بعض الاستثناءات التي قد تبدو متعارضة للوهلة الأولى. فبعض الفلزات مثل الليثيوم والصوديوم تعتبر ذات كثافة منخفضة نسبيًا، بحيث تطفو على الماء. ومع ذلك، تبقى كثافتها أعلى بكثير من كثافة معظم اللافلزات في حالاتها القياسية. ومن ناحية أخرى، يعتبر الماس، وهو شكل من أشكال الكربون اللافلزي، ذو كثافة عالية جدًا بفضل تركيبه البلوري المتماسك.
إذن، يتبين لنا جليًا أن الفرق في الكثافة بين الفلزات واللافلزات ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة مباشرة لـخواصها الفيزيائية والتركيبية الأساسية. وتلعب طبيعة الروابط الكيميائية ودرجة تراص الذرات دورًا حاسمًا في تحديد مقدار الكتلة التي يمكن تعبئتها في وحدة الحجم.