صواب، إقامة الموالد النبوية هو مثال للبدعة السيئة العملية في نظر شريحة من علماء المسلمين. يستند هذا الرأي إلى كون الاحتفال بالمولد النبوي بالشكل المعروف لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فعله الصحابة الكرام، وهم أحرص الناس على الخير، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة.
يعتبر أصحاب هذا القول أن كل عبادة لم يفعلها السلف الصالح مع وجود المقتضي لها وعدم المانع منها، فإن فعلها بعدهم يُعد من البدع المحدثة في الدين، لأن العبادات توقيفية، أي لا تثبت إلا بدليل من الكتاب أو السنة النبوية المطهرة.
يرى هذا الفريق أن تخصيص يوم معين للاحتفال بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم وإحداث طقوس خاصة لم تكن معهودة، يدخل في باب الإحداث في الدين، حتى لو اشتملت هذه الاحتفالات على أمور حسنة في أصلها مثل ذكر الله أو قراءة السيرة النبوية أو إطعام الطعام.
الحجة هنا أن تخصيص وقت معين أو كيفية معينة لعبادة لم يرد بها الدليل الشرعي هو بحد ذاته أمر غير مشروع، وقد يفتح الباب لإحداث أمور أخرى باسم محبة النبي مما لم يشرعه الله، وقد يؤدي ذلك إلى الغلو المنهي عنه. يعتبرون أن المحبة الحقيقية للنبي تكمن في اتباعه وطاعته ونشر سنته والتمسك بها، وليس بإحداث احتفالات لم يفعلها هو ولا أصحابه.
إقرأ أيضا:ماذا نستنتج من قول الوليد بن المغيره والله لقد سمعت من محمد كلاما ما هو من كلاممن هذا المنطلق، فإن اعتبار إقامة الموالد النبوية مثالاً للبدعة السيئة العملية ينبع من مفهوم البدعة الإضافية، وهي أن يكون أصل العمل مشروعاً كذكر الله أو الصدقة، ولكن يضاف إليه وصف أو كيفية أو تخصيص زمان أو مكان لم يرد به الشرع، فيصبح بهذا الوصف المضاف بدعة.
يشدد هذا الاتجاه على أن الشريعة الإسلامية كاملة ولا تحتاج إلى زيادة، وأن الخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع. هذا الرأي يمثل وجهة نظر معتبرة لدى قطاع من أهل العلم استناداً إلى فهمهم لقواعد أصول الفقه ومقاصد الشريعة.
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى وجود خلاف فقهي معتبر في هذه المسألة، حيث يرى فريق آخر من الفقهاء جواز الاحتفال بالمولد النبوي بل واستحبابه، معتبرين إياه من البدع الحسنة أو العادات المستحسنة التي تهدف إلى إظهار الفرح بميلاد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم والتذكير بسيرته العطرة، شريطة خلوها من المحرمات والمنكرات.
إقرأ أيضا:لماذا سميت الاسنان اللبنية بالاسنان المؤقتةهذا التنوع في الآراء يؤكد على سعة الفقه الإسلامي وضرورة فهم وجهات النظر المختلفة بأدلتها. لكن يبقى القول بأن إقامة الموالد النبوية هو مثال للبدعة السيئة العملية رأياً قوياً له وجاهته وأدلته المعتبرة ضمن إطار العلوم الشرعية.