السؤال: استأذن على السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في أحد الأيام أعمى، فحجبته، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله: لم حجبته وهو لا يراك؟ فبماذا أجابته؟
- الإجابة: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح.
شرح الإجابة:
يتجاوز هذا الجواب حدود الرد العابر ليكشف عن عمق استثنائي في فهم جوهر الستر والحياء. لم تكن المسألة لدى السيدة فاطمة الزهراء مرتبطة بما إذا كان الرجل الأعمى قادراً على رؤيتها، بل كانت متجذرة في مبدأ أسمى وأشمل. ففي قولها “إن لم يكن يراني فأنا أراه”، تؤسس لقاعدة أخلاقية مفادها أن التزامها بالحجاب والعفة ينبع من رقابتها الذاتية وقناعتها الداخلية، لا من وجود رقيب خارجي.
ومن ثمّ، تنتقل إلى مستوى أبعد من الإدراك الحسي حين تضيف “وهو يشم الريح”، وهنا تتجلى عبقرية الموقف؛ فالأمر لا يقتصر على حاسة البصر، بل يمتد ليشمل أي سبيل قد يؤدي إلى لفت الانتباه أو التأثير في الأجواء المحيطة. إنها بذلك تعلمنا أن الحشمة الحقيقية هي حالة متكاملة من السلوك والوعي، تحيط بالمرأة كهالة من الوقار، وتصون وجودها من كل ما قد يخدش نقاءه، مقدمةً بذلك درساً بليغاً في سمو الخلق وكمال الأدب الذي لا يتأثر بالظروف الخارجية.