مناهج المملكة العربية السعودية

أوجه التشابه بين الخوارج في الماضي والحاضر

تُظهر دراسة تاريخ الخوارج أن سلوكهم الفكري والاجتماعي له انعكاسات واضحة على الجماعات المتطرفة اليوم، سواء من حيث الفكر أو الممارسات العملية. وتشير الدراسات إلى أوجه التشابه بين الخوارج في الماضي والحاضر، حيث تتطابق السمات الأساسية للجماعات المعاصرة مع خصائص القدامى منهم رغم اختلاف الزمان والمكان.

إن هذا التطابق المذهل يؤكد أن الانحراف الفكري والعقدي لهذه الجماعات له جذور عميقة، وليس مجرد رد فعل على ظروف سياسية واجتماعية معينة.

ومن هنا، يمثل فهم هذه السمات المشتركة أداة مهمة لتوعية المجتمعات حول مخاطر التطرف وأهمية تعزيز القيم الدينية الصحيحة، ويستدعي من علماء الأمة ومفكريها وضع استراتيجيات شاملة لمواجهة الفكر التكفيري قبل أن يستفحل ويهدد أمن المجتمعات واستقرارها. فيما يلي شرح موسع لأبرز أوجه التشابه بين الخوارج في الماضي والحاضر.

أوجه التشابه بين الخوارج في الماضي والحاضر

تُظهر دراسة تاريخ الخوارج أن سلوكهم الفكري والاجتماعي له انعكاسات واضحة على الجماعات المتطرفة اليوم. يمكن تلخيص أبرز أوجه التشابه بين الماضي والحاضر فيما يلي:

1 – التكفير واعتبار أي مخالف لهم كافر

أول ما نستطيع ذكره من بين أوجه التشابه بين الخوارج في الماضي والحاضر هو التكفير فهو الخاصية الأساسية والمميزة لهم عبر التاريخ. فقد كفروا الأوائل الصحابة الكرام مثل عثمان وعلي رضي الله عنهما، بل وصل بهم الأمر إلى تكفير كل من قبل التحكيم في موقعة صفين. وقد جعلوا من الذنوب والمعاصي مكفرات، فمن ارتكب كبيرة من الكبائر فهو كافر مخلد في النار عندهم.

فالجماعات المتطرفة الحاضرة تسير على النهج نفسه، فتكفر الحكام والشعوب بذرائع مختلفة كعدم تطبيق الشريعة أو الموالاة للغرب أو غيرها من الحجج الواهية. وتطبق هذه الجماعات قاعدة “من لم يكفر الكافر فهو كافر” التي ورثتها عن الخوارج الأوائل، مما يؤدي إلى توسع دائرة التكفير لتشمل شرائح واسعة من المجتمع.

هذا التكفير المتهور يترتب عليه استحلال الدماء والأموال والأعراض، وهو ما يفسر الوحشية الدموية التي تمارسها هذه الجماعات ضد من تعتبرهم مخالفين لها.

2 – الغلو والتشدد والمبالغة في تطبيق النصوص دون مراعاة روح الدين ومقاصده

اتصف الخوارج التاريخيون بالغلو الشديد في الدين والمبالغة في العبادة، حتى وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم”. كانت جباههم قرحة من كثرة السجود، وكانوا يقرؤون القرآن بكثرة، لكن قراءتهم لا تجاوز حلاقيمهم.

المشكلة الأساسية عندهم هي الفهم السطحي للنصوص الشرعية وعدم إدراك مقاصد الدين الكبرى. فهم يأخذون بظاهر النصوص دون فهم لسياقها أو حكمتها، مما يؤدي بهم إلى تطبيقات منحرفة تخالف روح الإسلام الوسطي.

تتبع الجماعات المتطرفة المعاصرة المنهج نفسه من التشدد والغلو، فتفسر النصوص تفسيرا ضيقا متزمتا لا يراعي المصالح المرسلة أو تغير الأحوال والأزمان. هذا التشدد يظهر في الفتاوى المتطرفة التي تصدرها هذه الجماعات والتي تخالف إجماع علماء الأمة.

3 – استباحة الدماء والعنف

من أبرز أوجه التشابه بين الخوارج في الماضي والحاضر استحلالهم لدماء المسلمين، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان”. فقد قتلوا عبد الله بن خباب وبقروا بطن زوجته الحامل، وقتلوا الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فكانوا يستحلون دماء المسلمين والذميين على حد سواء، بل وصل بهم الأمر إلى قتل النساء والأطفال من مخالفيهم كما فعلت فرقة الأزارقة. هذا العنف المفرط نتج عن اعتقادهم الفاسد بأن من خالفهم كافر حلال الدم والمال.

تمارس الجماعات الإرهابية المعاصرة العنف نفسه ضد المدنيين الأبرياء من خلال العمليات الانتحارية والهجمات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء في المساجد والأسواق والمدارس. هذه الممارسات تؤكد التطابق الكامل بين فكر الخوارج القدامى والجماعات المتطرفة الحديثة في استباحة الدماء المعصومة.

4 – الانغلاق الفكري ورفض الحوار

يتميّز كلا الجيلين من الغلاة بالحدية والتصلّب الفكري. فقد أفادت مصادر تاريخية أن الخوارج لم يكونوا ينفتحون على الحوار مع الآخرين، بل “الحدية في التعامل معهم” وصعوبة مد جسور التفاهم كانت من خصائصهم الأثيرة.

فمحاولة ابن عباس رضي الله عنهما مناقشتهم وإقامة الحجة عليهم، إلا أن معظمهم أصروا على موقفهم المتعنت. هذا الانغلاق نتج عن الغرور الفكري والاعتقاد بأنهم وحدهم على الحق المطلق. مما يؤكد ذلك أن أي عضو منهم يختلف بفكرة يطرد ويكفر من الجماعة الأم.

والواقع المعاصر مشابه فالتنظيمات المتطرفة اليوم تعيش في فقاعات فكرية مغلقة ترفض وجود اتجاهات فكرية أو مذاهب إسلامية بديلة، وتضع نفسها وحدها على صراط “الحق”. وهكذا تظل الجماعات التي تحذو نهج الخوارج منغلقة على نفسها، تشرعن منطق الغلو وتستحقر آراء العلمانية والإسلامية الأخرى.

هذا الانغلاق يجعل التواصل مع هذه الجماعات أمرا شبه مستحيل، إذ يصبحون محصنين ضد أي محاولة للحوار أو الإقناع بالدليل والبرهان.

5 – ادعاء التدين مع مخالفة مبادئ الدين الحقيقية

من البارز أن الخوارج كانوا يظهرون التدين بعيني ظاهرية زائفة: فهم يحافظون على صلوات وصيام واجتماعات دينية، لكن «هذه التقوى التي كانوا يظهرون بها هي من قبيل التقوى العمياء» لا تمتّ لروح الإسلام بصلة . وقد عبّر عن ذلك الصحفي علي الصلابي بقوله إن نزوعهم إلى العمق والتشدد أخرجهم «عن حدّ الاعتدال وسماحة الإسلام».

وبالمثل، تظهر اليوم بعض الجماعات كأنها تتديّن بشدة، لكن سلوكها يكشف نفاقًا؛ إذ يستغلون العبارات الدينية والمظاهر التعبدية لكسب الناس، بينما تفرّق معتقداتهم العنيفة بين المسلمين. فقد وصف بحث حديث أن المتطرفين المعاصرين «يبدون تقوى في العبادة صارخة» لكنها تظل “ظاهرة بلا تأثير على سلوكهم الحقيقي”

6 – استخدام الشعارات الدينية لخداع الناس

لم يغب عن الخوارج استخدام الشعارات الدينية لتبرير تطرفهم وكسب المؤيدين. مثال ذلك تبنّيهم لشعار «لا حكم إلا لله» المقتبس من القرآن، والتزموا به متذرعين بأن أي حكم غير القرآن مردود.

واليوم نرى تنظيمات متشددة تتبع نفس النمط؛ فـ«الدولة الإسلامية» مثلًا تصدر مجلات دعائية يعبّئ فيها رسائلها بآيات قرآنية وأحاديث شريفة لكي تُضفي على جرائمها مشروعيّة دينية. وهكذا تُوظَّف الشعارات الدينية قناعًا لتضليل الناس وتجنيدهم، سواء في زمان الخوارج أو في عصرنا الراهن

7 – الخروج على جماعة المسلمين وإثارة الفتن

نشأ الخوارج في الأصل بالخروج على جيش علي بن أبي طالب والتفرّق عن جماعة المسلمين، فكانوا يرتدّون ضدّ الحكّام ويجاهرون بتكفيرهم . وقد أدى ذلك إلى إشاعة الفتن والاقتتال بين المسلمين في زمنهم.

والواقع المعاصر يحمل التواؤم نفسه، إذ تعلن بعض الجماعات العصيّة الانشقاق عن الإجماع الإسلامي، وتتهم الخصم بالضلال والإفساد. ودون شك أن خروج أي جماعة عن كيان الأمة وهدم وحدتها – سواء كان ذلك في القرن الأول أو اليوم – يُعدّ سمة مشتركة تجمع الخوارج القدامى بالمتطرّفين الحاليين.

الخلاصة

أوجه التشابه بين الخوارج في الماضي والحاضر تتجلى في التكفير، الغلو، استباحة الدماء، الانغلاق الفكري، ادعاء التدين، استخدام الشعارات الدينية، والخروج على جماعة المسلمين. هذه السمات تظهر أن الفكر المتطرف يتكرر عبر الزمن ويشكل خطرًا دائمًا إذا لم يُواجه بالتعليم والفهم الصحيح لمبادئ الدين، التي تقوم على العدل والرحمة والتسامح.

المصادر: تم الاستناد إلى تصريحات ودراسات أكاديمية حول تاريخ الخوارج وعلاقتهم بالجماعات المتطرفة المعاصرة

السابق
أوجه التشابه بين الخوارج في الماضي والحاضر انهم قتلوا المسلمين صواب خطأ
التالي
الخوارج يسمون مرتكب الكبيرة كافرا ويستحلون دمه وماله صواب خطأ

اترك تعليقاً