مناهج المملكة العربية السعودية

التمسح من غير قصد للبركة بل للتقليد أو لظنه مشروعاً أو محبة مجردة هو

إجابة سؤال: التمسح من غير قصد للبركة بل للتقليد أو لظنه مشروعاً أو محبة مجردة هو

  • الجواب: التمسح من غير قصد للبركة بل للتقليد أو لظنه مشروعاً أو محبة مجردة هو بدعي، ولا يجوز فعله، لأنه من وسائل الشرك، ويجب تركه وتحذير الناس منه، حتى لو لم يقصد به التبرك المشروع، فقد نهى العلماء عن كل وسيلة تؤدي إلى الغلو أو الشرك.

شرح الإجابة:

البدعة في اصطلاح العلماء هي كل ما أُحدث في الدين مما لا أصل له في الشرع، وتدخل في دائرة التحذير إن كانت في أمور العبادات، خصوصًا ما يتعلّق بالتعامل مع الأماكن والأشخاص والآثار بنوع من التعظيم العملي الذي لم يأت به دليل صحيح.

تنقسم البدع إلى بدعة حقيقية، وهي ما لا أصل لها إطلاقًا، وبدعة إضافية، وهي ما له أصل لكن أُدخلت عليه زيادة غير مشروعة. والتمسح محل النقاش يقع غالبًا في النوع الثاني، إذ يتخذ صورة مشابهة للتعظيم المشروع، ولكنه يفتقد للدليل الشرعي، فيُحكم عليه بالردّ.

أما الفرق بين التبرك المشروع والتقليد غير المنضبط، فيكمن في الاعتماد على الدليل. فالتبرك المشروع له أصل في السنة، كالتبرك بأثر النبي ﷺ، أما تقليد الناس في تمسحهم بالأشخاص أو الأشياء لمجرد أن غيرهم فعل ذلك، أو لأنهم يحبون هذا الشخص أو ذاك المكان، فلا يبيح الفعل. فالمحبة لا تبرر المخالفة، والنية الصالحة لا تُصلح العمل الباطل. بل قد تؤدي نية غير منضبطة إلى فتح باب الغلو، وهو منهي عنه، كما في حديث: “إياكم والغلو، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو.”

إقرأ أيضا:تعدّ كتابة الخطبة من التعبير الوظيفي

وفي هذا السياق، لمجرد لمس شيء أو شخص دون نية تعبّد واضحة، لكن بدافع المحبة أو الاقتداء، قد ينقلب الفعل إلى بدعة، لأنه من جنس العبادات التي تحتاج إلى توقيف، أي دليل واضح. وإذا ظنّ الشخص أن التمسح مشروع، وكان جهله ناتجًا عن تقصير في طلب العلم أو تساهل في التثبت، فإنه لا يُعذر به دائمًا، لأن أمور التوحيد والتعبد ينبغي للمسلم أن يتحقق منها.

بل قد يؤدي مثل هذا الفعل إلى مفاسد كبيرة، منها: التوسع في البدع، تعلق الناس بالأشخاص دون السنن، وفتح باب الشرك الأصغر، وربما الأكبر، إذا تحول الفعل إلى اعتقاد بأن هذا الشخص أو هذا المكان يجلب الخير بذاته. ولذلك، جاءت قاعدة “سد الذرائع” لتحصين العقيدة، فكل وسيلة تؤدي إلى محرم تُمنع ولو لم تكن محرمة في ذاتها.

مثال ذلك: من يمسح مقام إبراهيم أو جدران الكعبة بنية مشابهة لفعل غيره دون دليل، أو من يتمسح بقبور الصالحين أو مصاحف أو كتب العلم لظنه أن ذلك يقرّبه إلى الله، فهو واقع في بدعة، لأن الفعل لم يرد به نص، ولا تقتضيه مقاصد الشريعة، التي جاءت لحفظ الدين من التحريف والإضافات. ويُستثنى من ذلك ما ورد في السنة، مثل تقبيل الحجر الأسود، لأن النص ورد فيه، بخلاف ما عداه.

أما تقبيل يد العالم أو الوالد، إن كان للتوقير والعرف وليس للتبرك، فلا يدخل في التمسح المذموم، بشرط أن لا يُعتقد فيه فضل خاص، ولا يُداوم عليه كعبادة. والفارق بين الفعل المباح والبدعي يكمن في النية والمقصد، ومدى مطابقته للشرع.

إقرأ أيضا:تختلف الغابة المطيرة المعتدلة عن الغابات الاستوائيه في

وقد حذّر السلف من كل فعل تعبدي لم يأت به النبي ﷺ، وقال الإمام مالك -رحمه الله- : “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا ﷺ خان الرسالة.” فكيف إذا كان هذا الفعل يُفضي إلى الغلو والتعلق بغير الله؟

وعليه، فإن التمسح من غير قصد التبرك، ولو بدافع المحبة أو الظن بالمشروعية أو تقليدًا للغير، لا يجوز شرعًا، لأنه لا يستند إلى دليل، ويُخالف منهج النبي ﷺ وأصحابه، ويُعد من البدع التي يجب الحذر منها.

فالمعيار الدقيق لتقويم الأفعال هو: هل وافقت سنة الرسول ﷺ؟ وهل دل عليها دليل معتبر؟ وهل تخلو من مظنة الغلو أو التشبه بالمشركين؟ فإذا لم تتوفر هذه الشروط، فالفعل مردود.

إقرأ أيضا:التلسكوب ذو القطر الصغير غير قادر على التمييز بين صورتين لنجمين متقاربين جداً

نصيحتنا لمن وقع في مثل هذه الأفعال: أن يعود إلى السنة، ويتحقق من مشروعية كل ما يفعله في دينه، ويبتعد عن كل ما يشتبه عليه، فإن الورع سبيل النجاة. وليكن ميزانه في ذلك قول النبي ﷺ: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”، فالدين كامل، لا يحتاج إلى زيادة، وما لم يكن دينًا في زمن النبي ﷺ، فلن يكون دينًا اليوم.

فالمسلم الذي يريد السلامة في العقيدة والاتباع، عليه أن يزن أعماله بميزان الشرع، لا بميزان الهوى أو العادة أو العاطفة. وهذا هو الطريق إلى الله، كما سار عليه سلف هذه الأمة، رحمهم الله، ورضي عنهم أجمعين.

السابق
كيف يمكن للسائق التأكد من عدم وجود أية مركبة في البقعة العمياء؟

اترك تعليقاً