حدد المقصود بالانتشار

السؤال: حدد المقصود بالانتشار

شرح الإجابة:

إن الانتشار في جوهره هو ظاهرة فيزيائية تلقائية تمثل رحلة طبيعية للجسيمات، سواء كانت جزيئات أم أيونات، من حيث تتكدس بأعداد هائلة إلى حيث تكون أقل وجوداً. تخيل الأمر كقانون كوني تسير وفقه المادة سعياً وراء التوزيع المتكافئ في الفضاء المتاح لها. هذه العملية لا تقتصر على أنظمة معينة، بل هي مبدأ أساسي يحكم التفاعلات في الكيمياء والفيزياء، ويشكل حجر الزاوية في العديد من العمليات الحيوية داخل الكائنات الحية، حيث تنتقل المواد من منطقة التركيز العالي إلى منطقة التركيز المنخفض.

ولكي ندرك كنه هذه العملية، يجب أن نفهم أن القوة الدافعة لها لا تأتي من مصدر خارجي، بل تنبع من داخل الجسيمات ذاتها. فكل جسيم يمتلك طاقة حركية متأصلة تجعله في حالة اهتزاز وحركة عشوائية دائمة. هذا النشاط الذاتي المستمر هو ما يدفع الجسيمات للاصطدام ببعضها البعض والانتشار مبتعدة عن مواطن ازدحامها، متجهة عبر ما يُعرف بـ تدرج التركيز. ولأن هذه الحركة لا تستهلك طاقة من الخلية، فإنها تُصنف ضمن آليات النقل السلبي، وهي الطريقة الأكثر اقتصاداً لنقل المواد.

وهنا يكمن جوهر الأمر في علم الأحياء، فالخلايا الحية تستثمر هذه الظاهرة ببراعة فائقة. يعمل الغشاء البلازمي المحيط بالخلية كحاجز انتقائي يسمح بمرور بعض المواد دون غيرها. فجزيئات حيوية صغيرة مثل الأكسجين، الذي تحتاجه الخلية لعملية التنفس، تدخل إليها بالانتشار لأن تركيزه خارج الخلية أعلى. وفي المقابل، يغادر ثاني أكسيد الكربون، وهو من فضلات الخلية، بالطريقة ذاتها لأن تركيزه في الداخل يصبح أعلى، وهكذا تضمن الخلية تبادلاً فعالاً ومستمراً مع بيئتها.

وينبثق عن هذا التحرك المستمر للجسيمات حالة نهائية تُعرف بـ التوازن الديناميكي. عند هذه النقطة، لا يعني الأمر أن الحركة قد توقفت تماماً، بل أن الجسيمات قد توزعت بشكل متجانس في الوسط بأكمله، فأصبحت كثافتها متساوية في كل بقعة. نتيجة لذلك، يصبح عدد الجسيمات التي تتحرك في أي اتجاه مساوياً لعدد الجسيمات التي تتحرك في الاتجاه المعاكس، فتكون المحصلة النهائية للحركة صفراً، ويستقر النظام عند حالة من الثبات الظاهري.

ولتتضح الصورة بشكل جلي، يمكننا تصور إطلاق رشة عطر في زاوية غرفة مغلقة. في البداية، يكون تركيز جزيئات العطر في تلك الزاوية هو الأعلى، ثم بفضل حركتها العشوائية تبدأ بالانتشار في الهواء لتنتقل تدريجياً إلى بقية أرجاء الغرفة حيث لا يوجد لها أثر. بعد فترة وجيزة، ستشعر أن رائحة العطر قد ملأت المكان بأكمله بشكل متساوٍ، وهذا بالضبط هو وصول النظام إلى حالة التوازن التي يصفها مفهوم الانتشار.