حل لغز لغوي ما ذلك الشيء الذي يفصح وهو أبكم نأكله من غير أن يذوقه هذا الفم الدر في أطرافه والوجه بدر يرسم

ما ذلك الشيء الذي يفصح وهو أبكم، نأكله من غير أن يذوقه هذا الفم، الدر في أطرافه والوجه بدر يرسم، إذا خلعت قلبه فبيتك المعظم، له يد مقلوبة والذيل لا يقوم، أوله خير وفي آخره جهنم؟

شرح الإجابة

يكمن مفتاح هذا اللغز العبقري في تفكيك رموزه اللفظية التي تشير ببراعة إلى الدينار. فالعبارة الافتتاحية “يفصح وهو أبكم” تصور لنا قدرة هذه العملة على التعبير عن القيمة وإتمام الصفقات وتحقيق الرغبات، فهو “يتحدث” بلغة القوة الشرائية، مع أنه في حقيقته جماد صامت لا يملك لساناً. إنه كيان مادي ينطق بفعله لا بصوته، ويُفصح عن مكانة حامله دون أن ينبس ببنت شفة.

وينقلنا هذا التحليل إلى الجانب المجازي في قول “نأكله من غير أن يذوقه هذا الفم”، فالمقصود هنا ليس الأكل الفعلي، بل الاستفادة من قيمته لتأمين القوت والعيش، أي أننا “نأكل” بثمنه وثمرته. ثم تتجلى البراعة في وصفه الشكلي “الدر في أطرافه والوجه بدر يرسم”؛ فلو أخذنا الحرف الأول والأخير من كلمة دينار (د، ر) لحصلنا على كلمة در، في إشارة للجواهر. أما وصف وجهه بالبدر المرسوم، فهو كناية واضحة عن هيئته الدائرية اللامعة كقطعة نقدية مسكوكة.

وتتصاعد العبقرية اللفظية في المقطع القائل “إذا خلعت قلبه فبيتك المعظم”، وهنا تكمن لعبة كلمات متقنة، فعندما ننزع “قلب” الكلمة، أي الحرفين الأوسطين (ي، ن) من دينار، تتبقى لنا كلمة دار، وهي البيت والمأوى. هذا التحويل المدهش يربط بين امتلاك المال وامتلاك المسكن، في لمحة ذكية تجمع بين الثروة والأمان في بناء لغوي واحد.

أما عن العبارة التي تبدو غامضة “له يد مقلوبة والذيل لا يقوم”، فهي تكمل هذا التلاعب بالأحرف. فالمقطعان الأولان من الكلمة “دي” يمكن تشبيههما بكلمة “يد” بشكلها المقلوب أو المعكوس في الرسم الكتابي. بينما يظل باقي الوصف جزءًا من الصنعة الشعرية التي تحافظ على الوزن والإيقاع، معززةً صورة هذا الكيان المركب الذي لا يخضع للمنطق المادي البسيط بل لمنطق اللغة وأسرارها.

وصولًا إلى الخاتمة المدوّية “أوله خير وفي آخره جهنم”، نجد أنفسنا أمام حقيقة وجودية عميقة مغلفة في كلمة واحدة. فبينما يمثل الدينار وسيلة لتحقيق الخير والرفاهية، فإن نهايته اللفظية هي كلمة نار، في تذكير صارخ بأن الثروة سلاح ذو حدين، قد تكون طريقًا للنعيم أو جسرًا إلى الهلاك والعذاب. وبهذا، لا يحل اللغز كلمة فحسب، بل يقدم حكمة بالغة حول طبيعة المال وتأثيره.