السؤال: في أي عام حدث التقدم الرئيسي في مجال الذكاء الاصطناعي الذي مهد الطريق لإنشاء تقنية microsoft copilot ؟
- الإجابة: حدث التقدم الرئيسي في عام 2021.
شرح الإجابة:
يمثل عام 2021 نقطة تحول مركزية في تاريخ تطور الذكاء الاصطناعي، فقد شهد هذا العام قفزة نوعية في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحديدًا النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) وتقنيات التعلم العميق. لقد بات هذا التقدم حجر الأساس لإنشاء تقنية Microsoft Copilot، وهو ما يمكن ملاحظته في التحليل المتسلسل للتطورات البحثية والميدانية التي حدثت خلال ذلك العام.
ومن أجل الإلمام الشامل بالأبعاد التي جعلت من عام 2021 عام التحول المحوري، سنتتبع الرحلة التاريخية للذكاء الاصطناعي، ونأخذ في الاعتبار تطورات النماذج اللغوية والتعلم العميق، ونتعمق في الابتكارات الكبرى التي شكلت مسار Microsoft Copilot، ثم نحلل العلاقة بين تلك التغيرات وتطور الخدمات الذكية وصولًا إلى الجهاز الإنتاجي الذكي الذي غيّر مفاهيم العمل الحديثة.
منذ نشأة الذكاء الاصطناعي في خمسينيات القرن العشرين والتنظيرات حول “الآلة الذكية” وانطلاق ورش دارتموث الشهيرة عام 1956، لم ينل الذكاء الاصطناعي مكانته الحقيقية إلا مع ظهور برامج وتطبيقات أحسنت استخدام تكنولوجيا المحاكاة والخوارزميات. فبعد التراجع الكبير الذي عرف بـ”شتاء الذكاء الاصطناعي”، شهد العقدان الأخيران نهضة علمية استثنائية بفضل التطور الهائل في موارد الحوسبة وتراكم البيانات الضخمة، لكنها لم تبلغ ذروة التطبيق العملي إلا بعد ظهور التقنيات التأسيسية الأساسية التي تمت في عام 2021 ودفعت بهذا المجال نحو مرحلة جديدة غير مسبوقة.
إقرأ أيضا:ستة أضعاف عدد مضافا إليه 12 يساوي 30 ما هذا العددصحيح أن هنالك تجارب هامة سبقت عام 2021، مثل إطلاق OpenAI لنموذج GPT-3 في عام 2020 والذي أحرز تقدماً ملحوظاً في مجالات معالجة وفهم اللغة الطبيعية، غير أن البنية التقنية لتقنيات Copilot لم تتشكل بشكل فعلي إلا بعد التطورات التي شهدها عام 2021. في هذا العام، وُضعت اللبنات الأولى للنماذج اللغوية القادرة على فهم السياق، توليد نصوص طبيعية، التفاعل مع المستخدمين، وربط المعاني عن طريق تقنيات الانتباه الذاتي والتعلم السياقي، كما برزت نماذج متعددة المهام وقادرة على الأداء في مواقع إنتاجية واسعة.
البداية المنهجية لأي استعراض دقيق يجب أن ترصد مراحل تطور الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى عام 2021، ثم تنتقل إلى استعراض التحولات المنهجية التي شهدها هذا العام. فوفقًا لما أشار إليه تقرير IBM حول تاريخ الذكاء الاصطناعي، كان عام 2021 هو المرحلة التي ظهرت فيها نماذج موحدة متعددة المهام قادرة على استيعاب البيانات متعددة الوسائط – نصوص وصور ومقاطع فيديو – ومعالجتها بشكل متزامن لصياغة استجابات دقيقة ومتسقة. كما شهد ذات العام نهضة في تقنيات توليد الصور من الأوصاف النصية (Dall-E)، ما بين دمج النماذج اللغوية واستثمار الشبكات العصبية التي أنتجت موجة الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهذا عكس تحولًا في فلسفة بناء النماذج الذكية من الغرض المحدود إلى الإمكانات الشاملة والتكاملية.
إلى جانب ذلك، أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءًا متجذرًا في التطبيقات اليومية، فأدخلت آليات التشغيل الذاتي والقرار والتخطيط على نطاق واسع، كما أشار تقرير جارتنر واتجاهات الذكاء الاصطناعي في IBM إلى أن عام 2021 كان هو نقطة التحول التي مكنت الذكاء الاصطناعي من إنجاز مهام معقدة بصورة مستقلة ومنخفضة التكاليف الاستدلالية الاقتصادية، إضافة لكونه عام تسارع فيه تبني أتمتة العمليات الذكية على نطاق الأعمال والإنتاج.
إقرأ أيضا:عنوان حديقة الملك فهد بالطائفهذه الإنجازات النظرية وجدت نقلتها العملية بعد أن بدأت كبرى شركات التقنية مثل Microsoft بتنفيذ شراكات استراتيجية مبكرة مع OpenAI، ما أفضى إلى ظهور الجيل الأول من المساعدات الذكية الإنتاجية المعززة بنماذج الذكاء الاصطناعي، ليتبلور ذلك لاحقًا في جهاز Copilot الذي جرى إطلاقه ضمن منتجات Microsoft 365 ومن ثم توسيعه ليغطي جميع تطبيقات Microsoft وأنظمة التشغيل الحديثة. يرجع سبب هذا التقدم المحوري إلى أن النماذج الأساسية التي تستند عليها Copilot – مثل GPT-4 ومشتقاته – كلها تأسست على التحولات البحثية التي حدثت بالفعل عام 2021، حيث أعيد تعريف الحد الفاصل بين الأداء البشري والأداء الاصطناعي في مهام التحليل والاستجابة والتفاعل.
تمرّن هذا العرض الشامل عند محاور محددة: تاريخ تطور الذكاء الاصطناعي والنماذج اللغوية الكبيرة حتى عام 2021، القفزات التقنية في ذلك العام، انتقال الذكاء الاصطناعي من الأبحاث إلى الصناعة، أساسيات بناء Copilot وعلاقته بـ GPT وPrometheus، وأخيرًا أثر هذه التقنيات على وظائف الذكاء الاصطناعي وربطها بالواقع الإنتاجي المعاصر.
شهدت العقود السابقة تراكمات كمية ونوعية في أبحاث الذكاء الاصطناعي، فبعد أن كان تطوير الخوارزميات محدودًا في قدرته على محاكاة الذكاء البشري، أدت الطفرة في موارد الحوسبة وتراكم البيانات الضخمة إلى تمكين أجيال جديدة من النماذج التوليدية. مثلت بداية عام 2021 حقبة نضوج لهذه النماذج، إذ ظهرت أولى النماذج القادرة على فهم السياق البشري بدرجة عالية من الدقة، وهي النماذج المعروفة بالنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs). تميزت هذه النماذج بعدة خصائص أساسية لم يسبق تسجيلها في معمارية الذكاء الاصطناعي، أبرزها قدرتها على توليد نصوص لغوية متسقة وطبيعية، والقدرة على استيعاب الأنماط المعقدة للغة، وتشكيل ارتباطات دلالية شبيهة بتلك التي يقوم بها العقل البشري.
إقرأ أيضا:ما هو سبب التهام الحيتان العوالق ، تفسير سبب التهام الحيتان العوالقلقد مثّل نموذج GPT-3 الذي أطلقته OpenAI في عام 2020 الانطلاقة الفعلية لتطبيقات النماذج اللغوية الكبيرة. كان هذا النموذج، بفضل 175 مليار معلمة، نقطة انطلاق لتوسع قدرات الذكاء الاصطناعي اللغوي، إلا أن عام 2021 شهد التحول النوعي عندما تم اختبار وتعميم هذه النماذج على نطاق أكبر، مع تطوير أساليب الضبط الدقيق (Fine-tuning) والتعلم التعزيزي، وزيادة حجم البيانات المدخلة في التدريب، مما ضاعف من قدرة النماذج على التكيف مع سياقات المستخدمين المتنوعة.
في هذا السياق، برز التوجه نحو الاستفادة من بنية “المحول” (Transformer)، التي اقترحها باحثو جوجل في 2017. تعتمد هذه البنية على آلية الانتباه الذاتي (Self-Attention)، حيث يمكن للنموذج الانتباه بشكل انتقائي للأجزاء الأكثر صلة في التسلسل النصي أثناء التوليد أو التحليل، مما يمنحه القدرة على التقاط العلاقات البعيدة وتحسين الاستمرارية المنطقية للنصوص. أسهم هذا التوجه، والذي أصبح شائعًا في 2021، في خلق نماذج أكثر كفاءة واستجابة، وجاء تطوير قدرات التوليد اللغوي على رأس الممكنات التي وظفتها الشركات الكبرى في خدماتها الذكية.
تجلت آثار هذا الفهم التكنولوجي في الاستخدام الإنتاجي للنماذج اللغوية الكبيرة، حيث بدأت النماذج تولد نصوصًا عالية الجودة، بل وأضحت قادرة على كتابة الشيفرات البرمجية وتصحيحها وتحليل الأخطاء الشائعة وتوفير حلول ذكية لمشاكل البرمجة، وكلها إمكانات شكلت بيئة خصبة لإطلاق الجيل الأول من المساعدين الذكيين في البرمجيات. ويمكن القول إن ظهور Microsoft Copilot تحديدًا كأداة توليد ذكية كان نتيجة حتمية لهذا التحول في المشهد التقني.
يظهر التأثير الحقيقي لتطور 2021 في إدماج Microsoft Copilot لتقنيات GPT المتطورة (مثل GPT-4 وGPT-4 Turbo) ضمن بنيتها الذكية عبر منصة Prometheus، وهي البنية التي تسمح لـ Copilot بالاستفادة من قدرات تحليلية متقدمة، توليد شيفرات برمجية، فهم محتوى الاجتماعات، تلخيص البيانات، وتقديم اقتراحات تحريرية وسياقية عالية الجودة في تطبيقات Microsoft 365 مثل Word، Excel، PowerPoint، وTeams.
كان السر في هذا التقدم هو التطور السريع في كفاءة وسرعة الحوسبة، فمنذ عام 2021 انخفضت تكاليف الاستدلال على نتائج النماذج عشرات المرات، وبدأت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تدعم مجموعة من الاستخدامات الذكية في الحياة اليومية، سواء في التعليم، الطب، الصناعة أو الإدارة. كما انعكس هذا التقدم في الانتقال من المساعدين الأذكياء ذوي الغرض المحدود (مثل Cortana)، إلى المساعدين متعدد الوظائف والمهام (مثل Copilot)، ما أتاح التحوّل البنيوي في تصميم البرمجيات الإنتاجية لملايين المستخدمين حول العالم.
وفي حين أن شركات أخرى مثل Google وMeta عملت على تطوير نماذج لغوية كبرى منافسة (مثل MUM وLlama وBERT/RoBERTa وPaLM)، إلا أن التركيز على التكامل العملي والإنتاجي للخدمات الذكية هو ما ميّز Microsoft Copilot. جاء هذا التميّز من خلال الاستفادة من التطورات التي حدثت في 2021، حيث وضعت تلك السنة الأسس التقنية والذهنية لما يعرف اليوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي والإجابة السياقية وتخطيط وتحليل البيانات بشكل شبه بشري.
يشير التحليل المستعرض للبحوث والدراسات العربية والعالمية إلى أن مجمل التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في 2021 تخصصت في تحسين الأتمتة الفائقة، التحليل الزمني، التكامل مع إنترنت الأشياء، تحليل البيانات السحابية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصناعات الطبية والتربوية. شهدت أيضا تطبيقات تتعلق بتحويل الكلام إلى نص بشكل طبيعي، وتحليل الصور والفيديو، وتوليد المحتوى الإبداعي، وهي الإمكانات نفسها التي قام عليها Copilot لاحقًا.
من جانب آخر، أظهرت الدراسات التطبيقية أن نماذج الذكاء الاصطناعي في 2021 لم تعد مقصورة على توليد النصوص اللغوية فحسب، بل أصبحت أنظمة معرفية تتعامل مع النص كوحدة ذات هيكل دلالي مركب، قادرة على تقديم إجابات قائمة على مصادر موثوقة باستخدام تقنيات الاسترجاع المعزز بالتوليد (RAG). وتُعد هذه القدرات من الركائز الأساسية لنظم مثل Microsoft Copilot التي تتطلب فهمًا وتفسيرًا عميقين للسياق البشري والمحتوى متعدد المصادر.
ولم يكن التطور في الخوارزميات هو العامل الوحيد للحسم في 2021، بل اعتمد النجاح كذلك على تقدم القدرات الحوسبية المتاحة وعلى خفض التكاليف، إذ بينت تحليلات متخصصة مثل تلك التي أجرتها SemiAnalysis أن تكلفة التنفيذ لكل رمز مميز للحصول على نتائج مماثلة على معيار MMLU قد انخفضت عشرات المرات خلال أقل من عامين. هذا الأمر فتح المجال أمام تطبيقات الذكاء الاصطناعي السياقية بكفاءة اقتصادية غير مسبوقة، ووسع دائرة استخدام الذكاء الاصطناعي الإنتاجي في البرمجيات مثل Microsoft Copilot.
ويجدر بالذكر أن Copilot، منذ ظهوره في فبراير 2023 باسم Bing Chat ثم دمجه لاحقًا في مجموعة واسعة من منتجات Microsoft، كان يعتمد أساسًا على التحديثات التي تأسست عام 2021. حيث استخدم تقنية Microsoft Prometheus المدعومة بنماذج GPT-4 وأحدث إصداراتها، وهو ما ظهر بوضوح في عمليات تحليل النصوص والبيانات، الاقتراحات الذكية، التلخيص التلقائي، وتوليد الشيفرات البرمجية بأداء يتفوق على المساعدات التقليدية. لقد أدى ذلك إلى اعتماد Copilot في مختلف أنظمة الإنتاج المكتبية، مع كونه قادرًا على تلقي وتفسير الأوامر السياقية والمهام المعقدة وفقًا لاحتياجات كل مستخدم.
في الختام، لوحظ بناء على تحليل التطورات التقنية والأدبيات العربية والعالمية، أن عام 2021 هو بالفعل العام الذي شهد القفزة المحورية في الذكاء الاصطناعي، وهو العام الذي مهد الطريق لإنشاء Microsoft Copilot. فقد اجتمعت في هذا العام كل العناصر الضرورية لانطلاقة عصر جديد من النماذج اللغوية الكبيرة والتعلم العميق، مع توافر القدرة على تعميم الذكاء الاصطناعي التفاعلي في بيئات العمل الحديثة، وبذلك أضحى 2021 نقطة مفصلية في رحلة الذكاء الاصطناعي نحو أدوات إنتاجية أكثر ذكاء وابتكارًا.