السؤال: ما هي كلمات قصيدة إن الكرام وإن ضَاقَت مَعِيشَتُهُم كاملة؟
- الإجابة:
إنَّ الكِرامَ وإن ضَاقَت مَعِيشَتُهُم
دَامَت فَضِيلتُهُم والأصلُ غلَّابُ
لِلهِ دَرُّ أُنَاسٍ أينَما ذُكِرُوا
تَطِيبُ سِيرَتُهُم حتَّى وإن غَابُوا
وَلَرُبَّ مَكرُمَةٍ جَمَعَت شَمَائِلَهُم
صَارت لنَا غَيثاً يَسرِي وَيَنسَابُ
إن حَدَّثُوا أحداً فالصِّدقُ مَنطقُهُم
أو عامَلوهُ فَلا يَشقَى ويَرتابُ
أو عاهَدوا عَهداً كانَ الوفاءُ بهِ
حَقٌ وهُم دَوماً لِلحَقِّ أَربَابُ
وَوُعُودُهُم شَرَفٌ وكَأنَّ كَلِمَتَهُم
عَقدٌ ومِيثاقٌ صاغتهُ كُتَّابُ
لا يَعرِفونَ الشَرَّ مِقدَارَ أُنمُلَةً
هُم دائماً أبداً لِلخَيرِ أَسبابُ
وإلى السَّمَاءِ تَراهُم رَافعينَ يداً
وسِهَامُ دَعوَتِهِم يُفتَح لَهَا البابُ
في قَلبِ مَن يَلقَوهُ تُلقَى مَحَبَّتُهُم
وهُم لِكُلِّ الخَلقِ صَحبٌ وَأَحبَابُ
أولئِكَ الأخيارُ قَد طابَ مَنزِلُهُم
مِيراثُهُم بِرٌّ خُلُقٌ وآدابُ
إِذا تَعاجَبَ يَوماً كُلُّ ذِي تَرَفٍ
وكانَ فَخَرُ القَومِ مَالٌ وأنسابُ
فَهُم أكابرُ قَومِي قَدراً ومَنزِلةً
لَهُم بِوَهبَةِ رَبِّي فِي الأرضِ تِرحَابُ
وإذ يَمِيلُ النَّاسُ للفَوزِ بِالدُّنيَا
فَهُم لِفَوزٍ بِالفِردَوسِ طُلَّابُ
أَنعِم بِرَهطٍ هُم كَالدُّرِّ كَوكَبَةٌ
مِنَّا يَحِقُّ لَهُم فَخرٌ وَإِعجَابُ
شرح الإجابة:
تتجلى في هذه الأبيات الشعرية فلسفة عميقة حول القيمة الحقيقية للإنسان، حيث يستهل الشاعر نصه بوضع قاعدة جوهرية مفادها أن نُبل الأصل وسمو الأخلاق لا يتأثران بضيق الحال أو شظف العيش. فصاحب الشخصية الكريمة يظل على فضيلته ثابتاً، لأن معدنه الأصيل يطغى على أي ظرف خارجي عابر، وكأنها بوصلة داخلية لا تحيد عن وجهتها الصحيحة مهما اشتدت العواصف.
انطلاقاً من هذا المبدأ، يرسم لنا الشاعر لوحة تفصيلية لشمائل هؤلاء النبلاء وسجاياهم. فهم أناس تطيب ذكراهم في حضورهم وغيابهم، وتصبح أفعالهم الكريمة كالمطر النافع الذي يروي الأرض وينشر الخصوبة. وفي معاملاتهم، يتجلى الصدق كقانون أساسي في حديثهم، وتظهر الأمانة المطلقة في تعاملاتهم، فلا يشعر من يخالطهم بقلق أو شك. أما عهودهم، فهي ليست مجرد كلمات، بل مواثيق شرف راسخة يلتزمون بها لأنهم سادة الحق وأهله.
ولا يقف أثرهم عند حدود المعاملات الفردية، بل يمتد ليشمل علاقتهم الروحية وتأثيرهم الاجتماعي. فهم في جوهرهم صناع للخير، ينأون بأنفسهم عن الشر، وتراهم دائمي الصلة بخالقهم، رافعين أكف الضراعة بدعوات تبدو وكأن أبواب السماء مفتوحة لاستقبالها. هذه الصفات تجعل محبتهم تسكن قلوب الناس بشكل تلقائي، فيصبحون أصدقاء وأحبة للجميع، وهذا هو الإرث الحقيقي الذي يتركونه: سيرة عطرة من البر والخلق القويم والآداب الرفيعة.
ثم ينتقل النص إلى مقارنة حاسمة تضع الموازين في نصابها الصحيح. في الوقت الذي يتباهى فيه أهل الترف والثراء بأموالهم وأنسابهم، يبرز هؤلاء الكرام كأكابر القوم الحقيقيين، ليس بثرائهم، بل بقدرهم ومنزلتهم التي وهبها الله لهم. وبينما يتهافت الناس على مكاسب الدنيا الزائلة، فإن غايتهم أسمى وهدفهم أرفع، فهم يسعون لرضوان الله والفوز بجنته. ويختتم الشاعر قصيدته بالتعبير عن أعمق درجات الإعجاب بهذه الكوكبة من البشر، مشبهاً إياهم بالدر النفيس الذي يستحق منا كل الفخر والتقدير.