قصيدة مالي وقفت على القبور مسلماً مكتوبة

السؤال: ما هي قصيدة مالي وقفت على القبور مسلماً مكتوبة؟

شرح الإجابة:

تُجسّد هذه الأبيات الشعرية حواراً مؤثراً وعميقاً، يغوص في مشاعر الفقد وحقيقة الفناء. يبدأ المشهد بوقفةٍ صامتة ومُهيبة، حيث يقف الشاعر أمام قبر شخص عزيز عليه، يلقي التحية، لكن لا يأتيه أي صدى أو رد. هذه البداية تضعنا مباشرة في قلب مفارقة مؤلمة؛ فالتحية فعل من أفعال الحياة والتواصل، تُقابَل بصمت الموت المطلق، مما يثير في النفس تساؤلاً وجودياً عن حقيقة الانقطاع بعد الرحيل.

ينتقل النص بعد ذلك من مجرد الوقوف إلى عتابٍ رقيقٍ وموجع، فالسائل لا يسأل عن سبب الموت، بل عن سبب الصمت، وكأن النسيان هو الجرح الأعمق. “أَنَسيتَ بَعدي خِلَّةَ الأَحبابِ؟” سؤال لا ينتظر إجابة بقدر ما يعبر عن هول الشعور بالوحشة والقطيعة. وهنا تتجلى براعة النص في تحويل الموقف من مجرد رثاء إلى حوارٍ متخيلٍ يمنح صوتاً للغائب، ليجعل المأساة أكثر حضوراً وواقعية.

ثم يأتي الجواب الذي لا يقل إيلاماً عن السؤال، فهو ليس جواباً اختيارياً بل هو وصف لحالةٍ حتمية. “وَكَيفَ لِي بِجَوابِكُم” هو استفهام استنكاري يكشف عن العجز الكامل للميت أمام قوانين الطبيعة. فالمتوفى ليس ناكراً للعهد، بل هو “رهين جنادل وتراب”، أي أسير الصخور والتربة التي أصبحت مسكنه الأبدي. إن استخدام كلمة “رهين” يرسم صورة فنية بالغة الدقة، تصور الجسد وقد أصبح محبوساً ومقيداً، غير قادر على الفعل أو الاستجابة.

ويبلغ التصوير ذروته في الاعتراف القاسي بأن التراب قد أكل “المحاسن”، أي ملامح الجمال والجسد الذي كان وعاء للروح ووسيلة للتواصل. هذا التحلل الجسدي هو الذي أدى إلى النسيان والحجب عن الأهل والأصحاب “الأتراب”. فالذاكرة هنا مرتبطة بالوجود المادي، وبانتهائه، ينقطع الإدراك والتواصل مع العالم الخارجي. إنها ليست خيانة للذكرى، بل هي النتيجة الحتمية للفناء الجسدي.

وفي الختام، تصل القصيدة إلى خاتمتها المنطقية والمأساوية. التحية التي بدأت بها الأبيات تعود مرة أخرى، ولكن بصيغة الوداع الأخير “فَعَلَيكُمُ مِنّي السَلامَ”. هذا السلام هو إقرارٌ نهائي بانقطاع “خِلَّة الأحباب”، أي علاقة المودة والمحبة التي كانت تربط بين الطرفين. لقد تحولت التحية من رجاء للتواصل في البداية، إلى إعلان عن نهاية هذا التواصل في الختام، لتكتمل بذلك دائرة الفقد، وتترسخ في ذهن القارئ حقيقة أن الموت هو الانقطاع التام عن عالم الأحياء.