لماذا سميت فاطمة الزهراء بالبتول؟
لُقِّبَت السيدة فاطمة الزهراء بهذا اللقب لسببين رئيسيين، كلاهما يدور حول معنى الانقطاع والتميز؛ الأول هو انقطاعها وتفردها عن نساء عصرها مكانةً وفضلاً وعبادةً، والثاني يتعلق بخصائص جسدية فريدة ميزتها عن غيرها من النساء.
شرح الإجابة
إن لقب “البتول” ليس مجرد اسم، بل هو وصف عميق يعكس جوهر شخصية سيدة نساء أهل الجنة. ففي لغة العرب، الجذر “بَتَلَ” يعني القطع والفصل، ومنه يأتي “التبتل” الذي هو الانقطاع عن شؤون الدنيا للتفرغ لعبادة الله. هذا المفهوم هو المفتاح لفهم هذا اللقب الشريف الذي لم تحمله إلا هي ومريم العذراء قبلها، مما يضعها في منزلة رفيعة من النقاء والاصطفاء الإلهي.
ينطلق التفسير الأول والأكثر جوهرية من فكرة الانقطاع الروحي والأخلاقي. فقد كانت ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فريدة في زمانها، منفصلة ومتميزة عن قريناتها في قوة إيمانها وسمو أخلاقها وزهدها في الدنيا. كانت عبادتها وتقواها ورغبتها فيما عند الله منزلة لا تضاهيها فيها امرأة، فكأنها “بُتِلت” أو قُطِعت عن المقاييس الدنيوية لترتقي إلى أفق روحي خاص. هذا التميز في الدين والفضل جعلها مثالاً أعلى، ومن هنا جاء وصفها بالبتول، أي المنقطعة إلى الله والمتفردة بفضائلها عن نساء العالمين.
أما البُعد الثاني للتسمية، فينقلنا إلى جانب آخر من خصوصيتها، وهو بُعد يتعلق بتركيبها الجسدي. فقد ورد في بعض الروايات والأقوال أنها كانت “مُبتَّلة عن دماء النساء”، بمعنى أنها كانت تتمتع بصفة فسيولوجية خاصة، وهي الطهارة الجسدية المستمرة التي ميزتها عن الطبيعة البيولوجية المعتادة للنساء. وبهذا المعنى، يكون لقب البتول إشارة إلى طهارتها الكاملة، جسداً وروحاً، وهي كرامة خصّها الله بها، وتأكيداً على مكانتها الاستثنائية التي ورثتها عن أمها السيدة خديجة بنت خويلد وترعرعت في كنف النبوة.
وفي المحصلة، يتضح أن لقب البتول هو وسام شرف يجمع بين الكمال الروحي والجسدي للسيدة فاطمة. فهو يصف انقطاعها لعبادة خالقها وتفردها في الفضل على نساء عصرها، وفي الوقت ذاته، يشير إلى خصوصية جسدية طاهرة. إنها شخصية متكاملة فريدة، اجتمع فيها شرف النسب إلى خاتم الأنبياء، وعظمة الإيمان، وكمال الأخلاق، لتصبح بحق الزهراء البتول، النبراس الذي يهتدي به كل من يبحث عن نموذج للطهر والسمو الإنساني.