السؤال: لماذا يُطلق على مصر اسم Egypt في اللغات الأجنبية، وليس Misr كما هو الحال في اللغة العربية؟
شرح الإجابة:
إن قصة اسم “Egypt” تعد رحلة عبر الزمن واللغات، وهي لا تبدأ من اللغة الإنجليزية بل من أعماق التاريخ المصري القديم. ففي تلك الحقبة السحيقة، لم يكن اسم البلاد كلها “حوت-كا-بتاح”، بل كان هذا المصطلح يشير تحديداً إلى المعبد العظيم للإله “بتاح” في العاصمة المزدهرة آنذاك “منف”. كانت هذه التسمية، المكونة من ثلاثة مقاطع هي “حوت” (وتعني القصر أو المعبد)، و”كا” (وتعني الروح أو القرين)، و”بتاح” (وهو اسم أحد أبرز المعبودات المصرية)، تمثل مركزاً دينياً وإدارياً ذا شأن عظيم.
ومن هنا، بدأت الحكاية تأخذ منحى آخر مع وصول التجار والمستكشفين اليونانيين إلى دلتا النيل. فعندما احتك الإغريق بالحضارة المصرية، تركز تفاعلهم الأولي حول العاصمة “منف”، فسمعوا أهلها يشيرون إلى هذا المكان المهيب باسم “حوت-كا-بتاح”. وكما يحدث عادةً عند انتقال الكلمات بين الألسن المختلفة، قام اليونانيون بتكييف هذا الاسم ليتناسب مع نظامهم الصوتي، فتحول تدريجياً إلى لفظة “إيجيبتوس” (Aegyptos). ومع مرور الوقت، اتسع نطاق استخدام هذا المصطلح في الكتابات اليونانية من مجرد الإشارة إلى العاصمة ليصبح اسماً شاملاً لأرض وادي النيل بأكملها.
إقرأ أيضا:تم تطوير منطقة الجمرات في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز صواب خطأبعد ذلك، انتقلت شعلة الحضارة من اليونان إلى روما، التي ورثت الكثير من الثقافة والمعارف الإغريقية، بما في ذلك الأسماء الجغرافية. تبنى الرومان التسمية اليونانية وحوروها قليلاً إلى اللاتينية لتصبح “إيجيبتوس” (Aegyptus). وبما أن اللغة اللاتينية كانت اللغة الرسمية والعلمية في أوروبا لقرون طويلة، فقد تغلغل هذا الاسم في مختلف اللغات الأوروبية التي تفرعت عنها أو تأثرت بها، ليصل إلينا في صورته الحالية مثل “Egypt” في الإنجليزية، و”Égypte” في الفرنسية، و”Egitto” في الإيطالية.
على الجانب الآخر من المشهد التاريخي، نجد الاسم الذي نعرفه ونستخدمه اليوم: “مصر”. هذه التسمية لها جذور مختلفة تماماً، فهي تنتمي إلى عائلة اللغات السامية. إن كلمة “مصر” قريبة من المصطلح الأكادي “مِصرو” والعبري “مِصرايِم”، وهي الأسماء التي استخدمتها الحضارات المجاورة في بلاد الشام وبلاد الرافدين للإشارة إلى جارتهم الجنوبية القوية. وعندما جاء الفتح العربي في القرن السابع الميلادي، حمل العرب معهم لغتهم وثقافتهم، فاستخدموا بشكل طبيعي الاسم السامي الذي كان مألوفاً لديهم، وهو “مِصر”، ليصبح هو الاسم الرسمي والشعبي للبلاد في العالم العربي والإسلامي.
وهكذا، يتجلى لنا مساران تاريخيان ولغويان منفصلان تماماً. فاسم “Egypt” هو صدى لتسمية دينية قديمة لموقع محدد، انتقلت عبر فلتر يوناني ثم روماني لتستقر في اللغات الأوروبية. وفي المقابل، فإن اسم “مصر” هو التسمية التي أطلقها جيرانها الساميون عليها، والتي تبنتها اللغة العربية لتصبح هويتها الراسخة. فكلا الاسمين صحيح، وكل منهما يروي فصلاً مختلفاً من حكاية هذه الأرض العظيمة وتفاعلها مع العالم من حولها.
إقرأ أيضا:عرف كل متغير فيما يأتي ثم اكتب المتباينة وحلها العدد 3 مضافا إلى مثلي عدد أصغر من ذلك العدد