ماذا كان يفعل الرسول صلى الله عليه وآله حين يشتاق لرائحة الجنة؟
كان صلوات الله عليه وآله يشم ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام.
شرح الإجابة
إن أفعال خاتم الأنبياء والمرسلين لم تكن مجرد سلوكيات عابرة، بل كانت كل حركة وكل لفتة منه تحمل في طياتها أبعاداً عميقة تتجاوز المألوف، وتتصل مباشرةً بـعالم الغيب. وحينما كان يستبد به الشوق إلى الجنة، ملاذه الأبدي ومبتغاه، لم يكن يبحث عن رائحتها في زهور الدنيا أو عطورها، بل كان يجد ضالته في كيانٍ بشري فريد، هو امتدادٌ سماوي له على الأرض.
وهنا، تتجلى العلاقة الاستثنائية التي ربطته بسيدتنا فاطمة. فالروايات الموثوقة تشير إلى أن أصل تكوينها الطاهر لم يكن كسائر البشر، بل ارتبط ارتباطاً وثيقاً برحلته السماوية الخالدة، الإسراء والمعراج. ففي تلك الرحلة، قُدّمت إليه ثمرة من ثمار شجرة طوبى في الفردوس، ومن جوهر تلك الثمرة السماوية تكونت بضعته الزهراء. بناءً على ذلك، لم يكن شَمُّهُ لها مجرد استنشاقٍ لرائحة زكية، بل كان اتصالاً حقيقياً ومباشراً بنفحات الفردوس الأعلى، وتذكيراً مادياً ملموساً بذلك العالم النوراني الذي أُسري به إليه.
هذا الفعل النبوي الشريف يزيح الستار عن منزلة هذه السيدة الجليلة، التي لم تكن مجرد ابنة بارة، بل كانت “سيدة نساء العالمين” وحلقة الوصل بين عالمي الأرض والسماء. فكانت رائحتها بمثابة السكينة لقلبه، والبلسم لشوقه، والبرهان الحي على صدق الوعد الإلهي. لقد جسدت وجوداً فريداً أُطلق عليه “الحوراء الإنسية”، فهي بشر في صورتها، لكن جوهرها يحمل عبقاً من عالم آخر، الأمر الذي يفسر لماذا كان يجد فيها النبي رائحة عالمه الأصلي ومنتهاه الأسمى.
إقرأ أيضا:يقع وطني المملكة العربية السعودية ضمن المنطقة الدافئة صواب خطأوفي المحصلة، فإن هذا السلوك يمثل تقاطعاً بديعاً بين أسمى درجات الحب الأبوي وأعمق مراتب الاتصال الروحي. فهو يكشف كيف يمكن لأعظم الحقائق الإلهية أن تتجلى في أبسط الصور الإنسانية، وكيف كانت العلاقة بين محور النبوة وابنته الطاهرة ليست مجرد علاقة دم، بل كانت علاقة وجودية تربط الأصل بالفرع، والأرض بالسماء، والفاني بالخالد.