من أول من سكن الكويت من القبائل

من أول من سكن الكويت من القبائل؟

الشرح التفصيلي

إن تتبع الجذور الأولى للاستيطان في أرض الكويت يقودنا إلى حقبة زمنية تسبق بزوغ فجر الدولة الحديثة وتأسيسها على يد أسرة آل صباح الكريمة. في تلك الفترة، كانت شبه الجزيرة العربية مسرحاً لتحركات سكانية وديموغرافية مستمرة، وقد برزت العوازم كقوة بشرية رائدة اتخذت من هذه الأرض موطناً لها، مؤسسةً بذلك أولى لبنات الاستقرار البشري المنظم على هذا الساحل الحيوي من الخليج العربي. لقد كان وجودهم بمثابة حجر الزاوية الذي بُنيت عليه لاحقاً طبقات المجتمع الكويتي.

وانطلاقاً من هذا الاستقرار المبكر، نسجت القبيلة علاقة فريدة مع البيئة المحيطة بها، فكان البحر شريان حياتهم ومصدر رزقهم الأساسي. لم يكتفوا بالصيد التقليدي، بل أبدعوا في بناء “الحظرات”، وهي مصائد أسماك ثابتة وذكية تُعد دليلاً قاطعاً على فهمهم العميق لعلوم البحر وحركة المد والجزر. هذا التآلف مع البيئة البحرية لم يقتصر على صيد الأسماك فحسب، بل امتد ليشمل أنشطة أخرى كالغوص بحثاً عن اللؤلؤ، مما جعلهم جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد البحري للمنطقة ورسّخ وجودهم على طول الشريط الساحلي.

وبالانتقال من البحر إلى البر، نجد أن مجتمعهم لم يكن أحادي النشاط، بل اتسم بتنوع اقتصادي واجتماعي لافت. فبينما كان الساحل يعج بالبحارة والصيادين، كان هناك في الداخل فرسان أشداء ومزارعون صبورون يستغلون ما تجود به الأرض الشحيحة، وتجار يملكون نظرة ثاقبة للمستقبل ويربطون المنطقة بشبكة طرق التجارة الإقليمية. هذا التنوع في المهارات والمِهن منحهم مرونة استثنائية وقدرة على التكيف مع الظروف المتقلبة، وأسس لمجتمع صغير متكامل قادر على الاعتماد على ذاته.

ومن الجدير بالذكر أن الساحة التاريخية في شرق الجزيرة العربية لم تكن حكراً على قبيلة واحدة، فقد شهدت المنطقة نفوذاً واسعاً لقبائل أخرى ذات ثقل كبير، وعلى رأسها قبيلة بني خالد التي بسطت سيطرتها على أجزاء واسعة من الإقليم لفترات طويلة. إن وجود العوازم المبكر يأتي ضمن هذا السياق التاريخي المعقد، حيث تفاعلت القبائل المختلفة وتنافست أحياناً، مما أثرى المشهد الاجتماعي والسياسي وشكّل النفوذ القبلي في المنطقة قبل نشوء الكيانات السياسية الحديثة.

وختاماً، يمكن القول إن أسبقية العوازم في استيطان الكويت لا تكمن في مجرد الأقدمية الزمنية، بل في الأثر العميق الذي تركوه. لقد كانوا النواة الأولى لمجتمع بدأ يتشكل ويتجذر في هذه الأرض، وأسهم تراثهم البحري والبري في رسم الملامح الأولية لما سيعرف لاحقاً باسم الهوية الكويتية. إن قصتهم ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي شهادة على قدرة الإنسان على بناء الحضارة والتأقلم مع بيئته، ووضع الأسس لمستقبل الأجيال القادمة.