من القائل قل للحمير وإن طالت معالفها لن يسبقن الخيل في ركض الميادين

السؤال: من القائل قل للحمير وإن طالت معالفها لن يسبقن الخيل في ركض الميادين؟

• الإجابة: هذا القول هو مَثَلٌ عربيٌ بليغ ومُتداول، وجزءٌ من الحكمة الشعبية المتوارثة التي ذاع صيتها عبر العصور، لكن لم يُنسب إلى قائلٍ مُحدّد، بل بقي تراثًا فكريًا تتناقله الأجيال لقوة معناه.

شرح الإجابة:

إن هذا البيت الشعري ليس مجرد عبارة عابرة، بل هو خلاصة فكرة عميقة ضاربة في جذور الثقافة العربية. ببساطة، هو مَثَلٌ سائرٌ انتقل عبر الألسن ليس لقوة قائله، الذي ظل مجهولاً، وإنما لصدق رسالته وقوة بلاغته. يكمن جوهر العبارة في التمييز الحاسم بين الأصالة والجودة الفطرية من جهة، والمظاهر الخارجية والدعم المادي من جهة أخرى.

وإذا ما تأملنا في أركان هذا المثل، نجد أن “الخيل” هنا لا ترمز فقط للفرس، بل هي كناية عن الأصيل والموهوب بالفطرة، صاحب القدرات الحقيقية. في المقابل، تُمثل “الحمير” من يفتقرون إلى هذه المقدرة الجوهرية، حتى وإن مُنحوا كل أشكال الدعم، التي يرمز إليها “المعالف الطويلة”. فساحات السباق، أو “ركض الميادين”، هي المحك الحقيقي الذي يكشف المعدن الأصلي، ويثبت أن التفوق لا يُشترى بالمال أو يُكتسب بالمنصب، بل ينبع من كفاءة ذاتية متأصلة.

ينتقل بنا هذا المفهوم مباشرةً إلى واقعنا؛ ففي ميدان العلم، لا تصنع أفضل المختبرات عالِمًا فذًا ما لم يمتلك عقلاً مبدعًا وشغفًا بالمعرفة. وكذلك في عالم الفن، لن تجعل أغلى الأدوات من شخص لا يملك الموهبة فنانًا حقيقيًا. هذا المبدأ هو قانون ثابت في الحياة، يؤكد أن الجوهر يتغلب دائمًا على المظهر، وأن الإمكانيات المادية تبقى مجرد أدوات، قيمتها الحقيقية لا تظهر إلا في يد من يمتلك المهارة الأصيلة لاستخدامها.

واللافت في الأمر أن بقاء هوية القائل طي الكتمان قد زاد من قوة هذا المثل وانتشاره، فلم يعد مرتبطًا بشخصٍ بعينه، بل تحول إلى حكمة إنسانية عامة، وصوتٍ جمعيٍ يعبر عن قناعة راسخة. إن تداوله بأكثر من صيغة، مثل “قل للمطايا” أو “إن الحمير وإن زادت معالفها”، يؤكد على مرونته وقدرته على التكيف مع مرور الزمن، مع الحفاظ على رسالته الأساسية التي لا تتغير، وهي أن الأصالة لا تُهزم في ميادين التنافس الحقيقية.