من قائل إن الخيولَ وإن تراها أُرهِقت

السؤال: من قائل إن الخيولَ وإن تراها أُرهِقت؟

• الإجابة: الشاعر العباسي العظيم أبو الطيب المتنبي.

شرح الإجابة:

هذا البيت الشعري، الذي يفيض بالحكمة والقوة، هو من إبداعات أحد أبرز أعمدة الشعر العربي على مر العصور، أبي الطيب المتنبي. ينتمي هذا القول إلى قصيدة شهيرة تعكس فلسفته العميقة في الحياة ونظرته الثاقبة للطبيعة البشرية والأصالة، حيث لا يُقاس الجوهر بالمظهر الخارجي المؤقت.

فالخيول في شعر المتنبي ليست مجرد دواب، بل هي رمز حي للأصالة والعزة والنفوس الكريمة. وحين يقول “وإن تراها أُرهِقت”، فإنه يشير بعبقرية إلى أن الأصل الطيب والمعدن النفيس لا يتغيران حتى وإن بدت عليهما علامات التعب والإجهاد. ومن هنا، ينسج الشاعر خيطًا رفيعًا بين مظهر الجواد المُنهَك وحقيقة معدنه الذي لا يصدأ، مؤكدًا أن القيمة الحقيقية تكمن في المنشأ والجوهر.

إن هذه الفكرة، أي التمييز الدقيق بين الظاهر والباطن، تشكل حجر زاوية في ديوان المتنبي. فهو دائمًا ما يدعونا إلى النظر أبعد من السطح، لفهم أن القوة الحقيقية تكمن في الروح والأصل، لا في الهيئة العابرة. فكم من عظيمٍ قد تظهر عليه آثار المشقة، ولكنه يظل في جوهره شامخًا كالجبال، تمامًا كالجياد العربية الأصيلة التي مهما أنهكها السباق، تبقى في عروقها دماء الكبرياء والوفاء.

وبهذا، لم يكن أبو الطيب المتنبي مجرد ناظم للكلمات، بل كان فيلسوفًا يقرأ النفس البشرية وطبائع الأشياء بعين بصيرة، مستخدمًا رموزًا خالدة كالخيل ليقدم لنا دروسًا لا تزال حية حتى يومنا هذا. فالبيت ليس مجرد وصف لحالة حصان، إنما هو تصوير دقيق لحال كل نفسٍ أبيةٍ لا يكسرها التعب ولا يغير جوهرها الزمن.