من هن خير نساء العالمين؟
- فاطمة الزهراء بنت محمد، وخديجة بنت خويلد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون.
شرح الإجابة
إن الحديث عن أفضلية هؤلاء النسوة الأربع ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو استخلاص لنماذج إنسانية فذّة بلغت ذروة الكمال في ظروف استثنائية. كل واحدة منهن تمثل منارة في سياقها الزمني والاجتماعي، وقد اجتمعن على قاسم مشترك هو صلابة الإيمان وقوة اليقين في مواجهة أعظم التحديات. فهذا التكريم لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لمواقف حاسمة شكّلت منعطفات كبرى في تاريخ الرسالات السماوية.
ولنبدأ جولتنا مع مريم بنت عمران، التي اصطفاها الله وطهرها على نساء زمانها. إن قصتها في القرآن الكريم ترسم لوحة فريدة من العفة والانقطاع التام للعبادة. لقد واجهت مجتمعاً بأكمله باتهام مباشر في شرفها، ولكنها لم تتزعزع، بل لجأت إلى الصمت بأمر إلهي، وتركت المعجزة تتحدث بنفسها بولادة النبي عيسى عليه السلام. هنا تتجلى قوة التسليم المطلق للخالق والثقة التي لا تهتز، مما جعلها آية للعالمين ورمزاً للطهارة الروحية والجسدية.
ثم ننتقل إلى قصة أخرى لا تقل عنها إبهاراً، وهي حكاية آسية بنت مزاحم. كانت تعيش في قلب الطغيان، في قصر فرعون الذي ادعى الألوهية، ومع ذلك، تسلل نور التوحيد إلى قلبها. لم يغرّها المُلك ولا السلطة، بل رأت الحقيقة في ضعف رضيع أُلقي في اليم، هو النبي موسى عليه السلام. لقد تحدت بجسارة لا نظير لها أعتى طغاة الأرض، واختارت الإيمان على الرغم من علمها بأن الثمن هو حياتها، فكان دعاؤها الخالد دليلاً على زهدها في الدنيا وشرائها للآخرة.
أما إذا انتقلنا إلى فجر الإسلام، فإن أول شخصية تبرز كالجبل الراسخ هي خديجة بنت خويلد. لم تكن مجرد زوجة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل كانت أول من آمن برسالته، وشكلت له السند المادي والنفسي في أصعب مراحل الدعوة. في لحظة كان فيها العالم كله ضده، كانت هي جيشه الوحيد. لقد صدّقته حين كذّبه الناس، وواسته بمالها ونفسها، فكانت بحق شريكة النبوة في تحمل أعباء الوحي الأولى، وبذلك حفرت اسمها كنموذج للشراكة الحقيقية والإيمان العميق.
وأخيراً، نصل إلى فاطمة الزهراء، بضعة النبي وسيدة نساء أهل الجنة. لم تكن مكانتها نابعة من نسبها الشريف فحسب، بل من صبرها وتقواها وزهدها. لقد جسدت الكمال في كل أدوارها؛ كابنة بارة بأبيها، وزوجة وفية، وأم صابرة ربّت سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين. كانت سيرتها درساً في التواضع والرضا بالقليل، وإرثاً حياً من أخلاق النبوة التي تشربتها مباشرة من مصدرها الأول، فصارت امتداداً للنور المحمدي ورمزاً للأسرة المسلمة المثالية.