السؤال: هل نقول السفينة تبحر أم تسفن؟
شرح الإجابة:
عند تناول هذا السؤال من زاوية لغوية دقيقة، يتضح أن الفعل “تسفن” هو الأصح والأكثر اتساقاً مع الجذر العربي الذي يصف حركة السفينة على سطح الماء. هذا الفعل مشتق من مادة “سَفَنَ”، والتي تحمل في طياتها معنى الانسياب والمرور فوق سطح البحر دون غوص أو مقاومة، وهو ما يتطابق تماماً مع طبيعة حركة السفن في الواقع الفيزيائي.
ومن جهة أخرى، فإن القرآن الكريم استخدم تعبيرًا بالغ الدقة حين وصف حركة الفلك بقوله تعالى: ﴿وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾، وهذا الاستخدام القرآني يضفي على الفعل “تجري” طابعًا شرعيًا وبلاغيًا، ويعزز من دقة التعبير اللغوي عند الحديث عن السفن. فالجريان هنا لا يعني السرعة فقط، بل يشير إلى الانسيابية والسير المنتظم فوق سطح الماء، دون اضطراب أو توقف.
وبالعودة إلى المعاجم التراثية، نجد أن ابن دريد أشار إلى أن “سفينة” هي فعيلة بمعنى فاعلة، أي أنها تسفن الماء، أي تقشره وتخترقه بانسياب. وهذا التفسير يفتح بابًا لفهم أعمق لطبيعة العلاقة بين اللفظ والمعنى، حيث أن “الإسفان” لا يقتصر على الحركة، بل يشمل أيضًا التفاعل الفيزيائي بين جسم السفينة وسطح البحر.
ولإضفاء مزيد من الوضوح، يمكن تصنيف الأفعال المرتبطة بحركة السفينة وفق دلالاتها الدقيقة:
إقرأ أيضا:الطرح عمليه ابداليه صواب خطأ– “تسفن”: الفعل اللغوي الأصلي، ويعني انسياب السفينة فوق الماء.
– “تجري”: تعبير قرآني يدل على الحركة السلسة المستمرة.
– “تبحر”: لفظ شائع في الاستخدام المعاصر، يشير إلى بدء الرحلة أو الإقلاع، لكنه لا يعبر بدقة عن الحركة الفيزيائية المستمرة.
ومن هنا، يتبين أن استخدام “تسفن” هو الأدق لغويًا، والأكثر اتساقًا مع المعنى العلمي والبلاغي لحركة السفينة. أما “تبحر”، فهو تعبير مجازي شاع في الاستخدام اليومي، لكنه لا يحمل نفس العمق اللغوي الذي يتمتع به “تسفن”.
إقرأ أيضا:كرتان متماثلتان كتلة كل منهما 6.8 kg والبعد بين مركزيهما 21.8 cm، ما قوة الجاذبية التي تؤثر بها كل منهما في الأخرى؟وبذلك، فإن القول بأن “السفينة تسفن في البحر” لا يعكس فقط دقة لغوية، بل يربط بين التراث العربي، والبلاغة القرآنية، والواقع الفيزيائي لحركة السفن، في انسجام تام بين اللغة والعلم.