خلال الحرب العالمية الثانية، شهدت بريطانيا اثنين من وزراء الخارجية اللذين تركا بصمة عميقة في مجريات الحرب وما بعدها. إدوارد وود، الفيكونت الأول لهاليفاكس، وأنطوني إيدن قادا السياسة الخارجية البريطانية في أصعب أوقاتها، حيث واجها تحديات عالمية وصراعات دولية كبرى.
جدول المحتويات
وزراء خارجية بريطانيا في الحرب العالمية الثانية
1. إدوارد وود، الفيكونت الأول لهاليفاكس (1938–1940)
وُلد إدوارد وود في 16 أبريل 1881، وتلقى تعليمه في كلية إيتون وجامعة أكسفورد، مما أسهم في تكوينه السياسي والفكري. قبل توليه وزارة الخارجية، شغل وود عدة مناصب بارزة، منها الحاكم العام للهند (1926–1931)، حيث دعم إصلاحات محدودة لكنها لم تلبِ طموحات الحركة الوطنية الهندية. لاحقًا، شغل منصب وزير الدولة لشؤون الحرب، اللورد أمين الختم، واللورد رئيس المجلس.
سياسة الاسترضاء واتفاقية ميونيخ
ارتبط وود بسياسة الاسترضاء التي هدفت إلى تجنب الصراع مع ألمانيا النازية عبر تقديم تنازلات. لعب دورًا داعمًا في اتفاقية ميونيخ عام 1938 التي سمحت لألمانيا بضم منطقة السوديت من تشيكوسلوفاكيا، في محاولة لتجنب حرب شاملة. رغم ذلك، اعتُبرت هذه السياسة فاشلة عندما غزت ألمانيا بولندا في 1939، مما أدى إلى اندلاع الحرب.
رفض منصب رئيس الوزراء
بعد استقالة نيفيل تشامبرلين، عُرض على وود منصب رئيس الوزراء، لكنه رفضه لاعتقاده بأنه لن يتمكن من ممارسة سلطاته بنجاح كونه عضوًا في مجلس اللوردات. ترك وود وزارة الخارجية في ديسمبر 1940 ليصبح سفير بريطانيا لدى الولايات المتحدة (1941–1946)، حيث عزز العلاقات البريطانية-الأمريكية ونسّق الدعم الأمريكي للحرب.
إقرأ أيضا:ماذا يمكن أن يحدث إذا أحضر الإنسان حيوانًا جديدًا إلى بيئتهمواقفه خلال الحرب العالمية الثانية
لعب وود أدوارًا دبلوماسية مهمة خلال الحرب. دعم التحالف مع الاتحاد السوفيتي ضد ألمانيا النازية، وسعى للحفاظ على حياد تركيا وإسبانيا لتجنب اتساع رقعة الحرب. كما دعم حكومة فيشي في فرنسا في البداية، لكنه تحوّل لاحقًا لدعم حركة فرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول.
في الشرق الأوسط، أعلن وود في مايو 1941 تأييد بريطانيا لآمال الوحدة العربية، مما مهّد الطريق لتشكيل جامعة الدول العربية. أما في فلسطين، فقد أيد سياسات بريطانيا المتمثلة في الكتاب الأبيض لعام 1939، الذي حد من الهجرة اليهودية.
إرثه وتكريمه
حصل وود على عدة ألقاب، منها بارون إيروين، فيكونت هاليفاكس، وإيرل هاليفاكس. توفي في 23 ديسمبر 1959، تاركًا وراءه إرثًا سياسيًا ودبلوماسيًا مثيرًا للجدل.
2. أنطوني إيدن (1940–1945)
وُلد أنطوني إيدن في 12 يونيو 1897، وتميز بحس دبلوماسي مبكر تجلى في المناصب التي شغلها قبل توليه وزارة الخارجية، مثل وزير شؤون عصبة الأمم ووزير الدولة لشؤون الحرب.
مواقفه في الحرب العالمية الثانية
أظهر إيدن براعة دبلوماسية في قيادة السياسة الخارجية البريطانية خلال سنوات الحرب. دعم التحالف مع الاتحاد السوفيتي وشارك في مؤتمرات يالطا وبوتسدام التي ناقشت ترتيبات ما بعد الحرب، بما في ذلك تقسيم ألمانيا. كما ساهم في تأسيس الأمم المتحدة من خلال مشاركته في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945.
إقرأ أيضا:يتم التحكم في كل جهاز ملحق بالحاسب بواسطة برنامج خاص يسمى – برنامج تشغيل الجهازالتعاون مع الحلفاء
كان لإيدن دور بارز في دعم حركة فرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول، والتحالف مع الحكومة الإيطالية الجديدة بعد سقوط موسوليني. في الشرق الأوسط، سعى للحفاظ على الاستقرار وضمان تدفق النفط الحيوي لجهود الحرب.
مواقفه في آسيا وأوروبا الشرقية
في آسيا، دعم جهود حكومة تشيانغ كاي شيك في الصين ضد اليابان وساهم في إعادة بناء اليابان بعد استسلامها. أما في أوروبا الشرقية، فقد دعم الحكومات في المنفى والمقاومة الوطنية ضد الاحتلال النازي، مثل بولندا، تشيكوسلوفاكيا، والنرويج. رغم ذلك، واجه تحديات في التعامل مع الاتحاد السوفيتي حول مستقبل بولندا ودول البلقان.
الشرق الأوسط والهند
كان إيدن داعمًا لتأسيس جامعة الدول العربية لتعزيز التعاون بين الدول العربية. وفي الهند، دعم جهود بريطانيا في الحرب، لكنه واجه معارضة شديدة من الحركة الوطنية الهندية التي طالبت بالاستقلال.
إقرأ أيضا:فائدة شبكة الإحداثيات التي توضع على الخرائط تحديد المواقعخاتمة: أدوار متكاملة وشراكة في زمن الحرب
رغم الاختلافات في شخصيتيهما وسياساتهما، عمل كل من وود وإيدن على تحقيق هدف مشترك: تأمين مصالح بريطانيا في زمن الحرب. بينما ركز وود على تجنب الصراع وتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة، اتسمت فترة إيدن بالتركيز على التحالفات الدولية وإعادة بناء النظام العالمي.
يمثل إرث وود وإيدن فترة مليئة بالتحديات والقرارات المصيرية التي شكلت مجرى التاريخ العالمي. تركا بصمة عميقة في السياسة الدولية من خلال أدوارهما في الحرب العالمية الثانية، ويمثلان نموذجين للقيادة في أوقات الأزمات.