السؤال: لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم؟
شرح الإجابة:
يكمن السر خلف هذه التسمية العريقة في طبيعة رحلة الحج قديماً، وتحديداً في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة. في هذا اليوم، كان قاصدو البيت الحرام يتأهبون للانطلاق من مكة المكرمة إلى مشعر منى، وهي المحطة الأولى في رحلتهم نحو عرفات. كانت هذه المناطق في ذلك الزمان تفتقر إلى مصادر المياه الكافية، مما حتّم على ضيوف الرحمن اتخاذ تدابيرهم.
وإذ ننتقل إلى جوهر المسألة، فإن الفعل الرئيسي الذي كان يميز هذا اليوم هو “الارتواء”. كان الحجيج يقضون يومهم في التزود بالماء، فيشربون منه حتى يرووا ظمأهم، ثم يملؤون أوعيتهم وقِربهم بما يكفيهم ويحملونه معهم إلى منى والمشاعر التي تليها. هذا العمل اللوجستي المحوري، وهو الاستسقاء وحمل المياه، هو الذي منح اليوم اسمه الخالد، فكلمة “التروية” مشتقة مباشرة من فعل “الارتواء” بالماء.
بيد أن للأمر بُعداً آخر يضيف عمقاً روحانياً للتسمية، وهو مرتبط بقصة نبي الله إبراهيم عليه السلام. تذكر بعض الروايات أن في ليلة هذا اليوم الثامن رأى الخليل إبراهيم في منامه الرؤيا التي أمره الله فيها بذبح ابنه إسماعيل. وعندما استيقظ، قضى نهاره “يتروّى” ويفكر ويتأمل في هذه الرؤيا، هل هي من الله أم من الشيطان. ومن هذا التروي والتفكير العميق، جاءت أيضاً تسمية “يوم التروية”.
إقرأ أيضا:من أقسام الرحلات رحلة إلى الأماكن غير المنشأة مثل الحدائق العامةوهكذا يتجلى لنا أن اسم “يوم التروية” يجمع بين معنيين متكاملين، أحدهما حسيّ مادي والآخر معنويّ إيماني. فهو يوم الارتواء المادي بالماء استعداداً لأعظم مناسك الحج، وفي الوقت ذاته هو يوم التروي الروحي والتفكر في إحدى أعظم قصص التسليم لأمر الله في تاريخ البشرية، مما يجعله محطة إعداد شاملة للجسد والروح معاً.