السؤال: ماهي عاصمة مصر قبل القاهرة؟
شرح الإجابة:
إن تتبع تاريخ عواصم مصر يشبه الإبحار في نهر الزمن نفسه، حيث أن لكل حقبة تاريخية مركز ثقلها السياسي والحضاري الذي حكمت منه البلاد. قبل أن تُشيّد القاهرة بأسوارها ومآذنها، تعاقبت على عرش مصر مدن عظيمة، كل منها تركت بصمة لا تُمحى. البداية كانت مع مدينة “منف” أو ممفيس، التي تُعد بحق حجر الزاوية في تاريخ الدولة المصرية الموحدة. ففي فجر التاريخ، حوالي عام 3200 قبل الميلاد، اتخذ الملك الأسطوري نعرمر (مينا) قراراً استراتيجياً بتأسيس هذه المدينة عند نقطة التقاء دلتا النيل بواديه، لتكون رمزاً لوحدة القطرين الشمالي والجنوبي، ومنها انطلقت شرارة الحضارة التي بنت الأهرامات الشاهقة، وظلت مركزاً إدارياً وروحياً طوال عصر الدولة القديمة.
بيد أن عجلة التاريخ لا تتوقف، فمع تغير موازين القوى الداخلية، انتقل مركز الحكم تدريجياً نحو الجنوب. وهنا، بزغ نجم مدينة “طيبة”، الأقصر حالياً، التي تبوأت مكانة العاصمة خلال عصري الدولة الوسطى والحديثة. لم تكن طيبة مجرد مركز إداري، بل تحولت إلى قلب ديني نابض للإمبراطورية المصرية، حيث شُيدت فيها صروح دينية عملاقة مثل معابد الكرنك والأقصر، وأصبحت مقراً لأقوى الأسر الحاكمة في تاريخ مصر القديمة، التي وسعت نفوذها إلى أبعد مدى.
ثم دخلت مصر حقبة جديدة تماماً مع الفتوحات اليونانية، حيث أسس الإسكندر الأكبر مدينته الخالدة “الإسكندرية” على ساحل البحر المتوسط. سرعان ما أصبحت هذه المدينة الكوزموبوليتانية منارة للعلم والثقافة في العالم القديم، واتخذها البطالمة ومن بعدهم الرومان عاصمة لحكمهم في مصر. فضلاً عن دورها السياسي، كانت الإسكندرية مركزاً تجارياً عالمياً وموطناً لمكتبتها الشهيرة التي جذبت العلماء والمفكرين من كل حدب وصوب.
وعند بزوغ فجر الفتح الإسلامي، نشأت عاصمة جديدة هي “الفسطاط”، التي أسسها القائد عمرو بن العاص عام 641 ميلادية. كانت الفسطاط أول عاصمة إسلامية في القارة الإفريقية، ومنها انطلقت إدارة شؤون مصر الإسلامية لعدة قرون. وقد مهد موقعها الاستراتيجي، بالقرب من حصن بابليون الروماني، الطريق لاحقاً لنشأة مدينة القاهرة شمالها ببضع كيلومترات، لتصبح القاهرة في نهاية المطاف العاصمة الدائمة لمصر حتى يومنا هذا، وارثةً بذلك إرثاً حضارياً عريقاً من كل تلك العواصم التي سبقتها.