من هو الفيلسوف الذي كتب المدينة الفاضلة

السؤال: من هو الفيلسوف الذي كتب المدينة الفاضلة؟

• الإجابة: الفيلسوف الذي ارتبطت به فكرة “المدينة الفاضلة” بشكل أساسي هو الفيلسوف اليوناني العظيم أفلاطون.

شرح الإجابة:

إن الخوض في فكرة المدينة الفاضلة يأخذنا مباشرة إلى أعماق الفلسفة اليونانية، وتحديداً إلى أحد أبرز أعمدتها، وهو أفلاطون. هذا المفكر لم يكتب كتاباً يحمل اسم “المدينة الفاضلة” بشكل مباشر، بل طرح هذا التصور المتكامل في أشهر أعماله على الإطلاق، وهو كتاب “الجمهورية”. هذا المؤلَّف ليس مجرد نص، بل هو حوار فلسفي عميق، يديره أستاذه سقراط، ويستكشف من خلاله مفهوم العدالة في النفس البشرية وفي بنية الدولة على حد سواء.

ومن هذا المنطلق، يرى أفلاطون أن الدولة المثالية هي انعكاس للروح العادلة. فكما أن الروح تنقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية هي العقل والشجاعة والشهوة، كذلك يجب أن يتكون المجتمع من ثلاث طبقات متناغمة: طبقة الحكام الفلاسفة التي يمثلها العقل، وطبقة الجنود التي تجسد الشجاعة، وأخيراً طبقة العمال والحرفيين التي تقابلها الشهوات والرغبات المنظمة. تحقيق العدالة، في منظوره، لا يتم إلا حين تؤدي كل طبقة دورها المنوط بها على أكمل وجه دون أن تتعدى على أدوار الأخرى، تماماً كما تتحقق السكينة في النفس حين يقود العقل كل أجزائها.

بيد أن جوهر هذه الرؤية وذروة هذا البناء الفكري يكمن في فكرة “الملك الفيلسوف”. يجادل أفلاطون بأن قيادة هذه الدولة العادلة لا يمكن أن تُسند إلا للفلاسفة، فهم وحدهم من يمتلكون القدرة على إدراك الحقيقة المجردة والوصول إلى عالم “المُثُل” أو الخير الأسمى. هؤلاء الحكام لا يسعون وراء السلطة أو الثروة، بل تحركهم الحكمة والمعرفة الحقيقية، مما يجعلهم الأكثر كفاءة لقيادة المجتمع نحو الخير والفضيلة وتحقيق أقصى درجات الانسجام.

ولكي تكتمل الصورة، لا بد من الإشارة إلى أن الفيلسوف المسلم الكبير، أبو نصر الفارابي، تأثر تأثراً بالغاً بأفكار أفلاطون وأرسطو، وقام بصياغة رؤيته الخاصة في كتاب حمل عنوان “آراء أهل المدينة الفاضلة”. لقد استلهم الفارابي البنية الأساسية من “جمهورية” أفلاطون، لكنه أضاف إليها أبعاداً روحانية وإسلامية، وربط بين الرئيس الأول للمدينة الفاضلة وبين شخصية النبي. لذلك، بينما وضع أفلاطون حجر الأساس لهذا المفهوم، يُعتبر الفارابي من أبرز من طوره وبلوره في سياق الحضارة الإسلامية.