أقسام المقالة
الحرارة الداخلية للأرض تعد محركًا أساسيًا للعديد من الظواهر الجيولوجية التي نشهدها على السطح، وهذه الطاقة الهائلة تتناقص تدريجيًا كلما اقتربنا من السطح، مما يخلق تدرجًا حراريًا فريدًا.
الممال الحراري الأرضي هو مصطلح علمي يصف معدل زيادة درجة الحرارة مع زيادة العمق داخل باطن الأرض. هذه الزيادة ليست مجرد رقم ثابت، بل هي نتيجة لعمليات معقدة تشمل الحرارة المتبقية من تشكل الكوكب والتحلل المستمر للعناصر المشعة، مما يجعل باطن الأرض مصدرًا دائمًا للطاقة.
- السؤال: يوضح الرسم البياني أدناه متوسط الممال الحراري في القشرة الأرضية. صواب أم خطأ؟
- الجواب: صواب.
لماذا: لأن الرسم البياني الذي يمثل هذه الظاهرة يظهر زيادة شبه خطية ومنتظمة في درجة الحرارة كلما ازداد العمق داخل القشرة الأرضية. هذا النمط يعكس بدقة المتوسط العالمي المقبول علميًا، والذي يقدر بحوالي 25 إلى 30 درجة مئوية لكل كيلومتر من العمق، وهو ما يجسده المنحنى البياني النموذجي لهذه الظاهرة.
في هذا المقال، سنتعمق في مفهوم الممال الحراري الأرضي، ونستكشف مصادر هذه الحرارة، والعوامل التي تؤثر عليها، وأهميتها في مختلف المجالات العلمية والتطبيقية.
تعريف الممال الحراري الأرضي ومصادره
الممال الحراري الأرضي (Geothermal Gradient) هو مقياس للتغير في درجة الحرارة مع العمق في باطن الأرض¹. لفهم هذا المفهوم بشكل أفضل، يمكن تخيل الأرض كجسم ساخن يبرد ببطء شديد، حيث يكون اللب هو الأكثر سخونة والسطح هو الأبرد. تنبع هذه الحرارة الهائلة من مصدرين رئيسيين:
- الحرارة الأولية (Primordial Heat) هذه هي الحرارة المتبقية منذ نشأة كوكب الأرض قبل حوالي 4.5 مليار سنة. نتجت هذه الطاقة عن طريق عمليات عنيفة مثل اصطدام الكويكبات والمذنبات وتراكم المواد تحت تأثير الجاذبية، بالإضافة إلى طاقة التمايز الطبقي عندما انفصل الحديد الثقيل وغاص ليشكل لب الأرض.
- الحرارة الإشعاعية (Radiogenic Heat) تعتبر المصدر الرئيسي والمستمر للحرارة في الوشاح والقشرة الأرضية. تنتج هذه الحرارة عن التحلل البطيء للنظائر المشعة طويلة العمر الموجودة بشكل طبيعي في الصخور، وأهمها اليورانيوم، والثوريوم، والبوتاسيوم. تتركز هذه العناصر بشكل أكبر في القشرة القارية مقارنة بالقشرة المحيطية.
تنتقل هذه الحرارة من باطن الأرض نحو السطح عبر آليتين أساسيتين: التوصيل الحراري (Conduction) الذي يسود في الغلاف الصخري الصلب، والحمل الحراري (Convection) الذي يهيمن على حركة المواد المنصهرة في الوشاح.
العوامل المؤثرة على قيمة الممال الحراري
لا يكون الممال الحراري موحدًا في جميع أنحاء العالم، بل يختلف بشكل كبير اعتمادًا على عدة عوامل جيولوجية، منها:
- النشاط التكتوني: يكون الممال الحراري أعلى بكثير عند حدود الصفائح المتباعدة (مثل حيود منتصف المحيط) حيث ترتفع الصهارة (الماجما) الساخنة من الوشاح بالقرب من السطح. في المقابل، يكون الممال أقل في مناطق الاندساس حيث تغوص القشرة المحيطية الباردة والكثيفة تحت صفيحة أخرى.
- نوع الصخور: تختلف الصخور في قدرتها على نقل الحرارة، وهو ما يعرف بـ الموصلية الحرارية. الصخور ذات الموصلية المنخفضة تعمل كعازل، مما يؤدي إلى تراكم الحرارة وزيادة الممال الحراري المحلي.
- النشاط البركاني: المناطق التي تحتوي على غرف صهارية قريبة من السطح أو نشاط بركاني حديث تشهد ممالًا حراريًا مرتفعًا جدًا.
- سماكة القشرة الأرضية: تميل القشرة القارية السميكة والغنية بالعناصر المشعة إلى امتلاك ممال حراري أعلى من القشرة المحيطية الرقيقة.
- دوران المياه الجوفية: يمكن لحركة المياه في الطبقات الصخرية المسامية أن تنقل الحرارة وتؤثر على التدرج الحراري المحلي، حيث تعمل كنظام تبريد أو تسخين طبيعي.
أهمية دراسة الممال الحراري
تعتبر دراسة الممال الحراري الأرضي ذات أهمية بالغة في العديد من المجالات، ومن أبرزها:
- الطاقة الحرارية الجوفية: تعد المناطق ذات الممال الحراري المرتفع مواقع مثالية لاستغلال الطاقة الحرارية الجوفية لتوليد الكهرباء أو للتدفئة.
- استكشاف النفط والغاز: يعتبر فهم التدرج الحراري أمرًا حاسمًا في صناعة النفط والغاز. فالهيدروكربونات (النفط والغاز الطبيعي) تتشكل ضمن نطاق حراري محدد يُعرف بـ “نافذة النفط”. إذا كانت الحرارة أقل من اللازم، لا تنضج المادة العضوية، وإذا كانت أعلى من اللازم، تتحلل إلى غاز أو جرافيت.
- فهم العمليات الجيولوجية: يساعد الممال الحراري العلماء على نمذجة حركة الصفائح التكتونية، وفهم عمليات التحول الصخري (Metamorphism)، وتفسير النشاط الزلزالي والبركاني.
- هندسة التعدين والأنفاق: يجب على المهندسين أخذ الزيادة في درجة الحرارة مع العمق في الحسبان عند تصميم المناجم العميقة والأنفاق لضمان سلامة العمال والمعدات.
في الختام، يمكن التأكيد على أن العبارة “الرسم البياني يوضح متوسط الممال الحراري في القشرة الأرضية” هي صواب. فالزيادة المنتظمة في درجة الحرارة مع العمق التي تظهرها مثل هذه الرسوم البيانية هي تمثيل دقيق لهذه الظاهرة الجيولوجية الأساسية التي تشكل كوكبنا وتؤثر على موارده الطبيعية.