حل لغز أصله من طين ويعشي المساكين

حل لغز أصله من طين ويعشي المساكين

شرح الإجابة

إن حل هذا اللغز يكمن في فهم طبيعة الفقع، والذي يعرف أيضاً باسم الكمأة. فالشطر الأول من اللغز “أصله من طين” يصف بدقة متناهية منشأه؛ إذ ينمو هذا الكائن بالكامل تحت سطح الأرض، متخفياً في أعماق التربة الطينية الرطبة، فلا يظهر له أثر فوق الثرى، بلا ساق ولا أوراق، وكأنه قطعة من الأرض نفسها قد تشكلت لتكون طعاماً، مما يجعله بحق “ابن الطين”.

أما الشطر الثاني “ويعشي المساكين”، فهو إشارة بليغة إلى دوره التاريخي والاجتماعي. فقد كان الفقع على مر العصور كنزاً ثميناً لسكان البادية والمناطق الصحراوية، حيث يظهر بعد مواسم المطر والبرق كهدية من الطبيعة لا تكلف جهداً سوى المعرفة بأماكن وجوده. وبذلك، شكل مصدراً غذائياً مجانياً وغنياً، يوفر وجبة دسمة ومشبعة للفقراء والمحتاجين في أوقات قد يندر فيها الطعام، فكان بحق عشاءً للمساكين.

ولكي تتضح الصورة أكثر، فإن نمو الكمأة يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببعض الظواهر الطبيعية والنباتات الصحراوية، وعلى وجه الخصوص نبات الرقروق الذي يشكل الفقع معه علاقة تكافلية فريدة. كما أن هناك اعتقاداً سائداً بأن ظهوره يزداد بعد العواصف المصحوبة بظاهرة الرعد، الذي يُعتقد أنه يحفز نموه تحت الأرض، مما يضفي على هذا الكائن الغامض طابعاً من الأسرار التي فكت شفرتها حكمة الأجداد.

من منظور علمي، تتجلى حكمة اعتباره “عشاءً” في قيمته الغذائية العالية جداً. فهو ليس مجرد نبات عادي، بل هو كتلة من العناصر الحيوية؛ إذ يحتوي على نسبة مرتفعة من البروتينات التي تضاهي اللحوم في بعض الأحيان، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأملاح المعدنية والفيتامينات الضرورية للجسم. هذه التركيبة الفريدة جعلته وجبة متكاملة قادرة على إشباع الجائع ومنح الطاقة، وليس مجرد إضافة بسيطة للطعام.

وهكذا، نرى أن اللغز يجمع ببراعة بين الوصف الطبيعي الدقيق والأبعاد الإنسانية العميقة. فما كان يوماً طعاماً مجانياً وبسيطاً في الصحراء العربية، أصبح اليوم من أثمن الأطباق الفاخرة التي تباع بأسعار باهظة. ومع ذلك، تبقى حقيقته الأولى راسخة في الذاكرة: كائن متواضع منبعه التراب، كان سبباً في سد رمق الكثيرين على مر الزمان.