مناهج المملكة العربية السعودية

شيدت في عهده القيروان

إجابة سؤال: شيدت في عهده القيروان

  • الجواب: تم بناء مدينة القيروان في عهد معاوية بن أبي سفيان، أول خلفاء الدولة الأموية، وذلك سنة 50 هـ على يد القائد عقبة بن نافع رضي الله عنه.

شرح الإجابة:

في زمن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، كانت الدولة الإسلامية تمر بمرحلة توسّع حضاري وعسكري كبير. ومن أهم محاور هذا التوسع هو فتح شمال إفريقيا، حيث أدرك معاوية أهمية إنشاء قاعدة عسكرية متقدمة تدعم الفتوحات وتحمي حدود الدولة من هجمات الروم والبيزنطيين. وهنا جاءت فكرة بناء مدينة القيروان، التي لم تكن مجرد معسكر عسكري، بل أصبحت لاحقًا مركزًا حضاريًا وعلميًا وتجاريًا مهمًا في تاريخ المسلمين.

القيروان، التي تأسست بأمرٍ مباشر من معاوية، حملت رمزية كبيرة في التوسع الإسلامي. فقد اختار معاوية القائد عقبة بن نافع، المعروف بدهائه وشجاعته، ليقود بناء المدينة. الموقع كان مدروسًا بعناية، حيث بُنيت المدينة في مكان استراتيجي بعيد عن السواحل، للحماية من الأساطيل البيزنطية، وبالقرب من طرق التجارة البرية.

من خلال هذه الخطوة، أسس معاوية لبنية تحتية قوية، حيث احتوت المدينة على جامع القيروان العظيم، الذي يعد من أقدم المساجد في العالم الإسلامي خارج شبه الجزيرة العربية، وكان نواةً لانطلاق العلوم الدينية واللغوية فيما بعد. كما احتضنت المدينة دواوين وأجهزة إدارية تعكس تطور الحكم في العهد الأموي، مما جعلها نقطة ارتكاز حضارية في شمال إفريقيا.

إقرأ أيضا:يُفضل أن يلخص الكاتب محتوى رسائل الطلب أو الشكوى على الاستطراد فيها صواب خطأ

اللافت أن تأسيس القيروان لم يكن مجرد حدث سياسي أو عسكري، بل كان امتدادًا لسياسة معاوية التي جمعت بين الحزم الإداري والتوسع الديني، فهو لم يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل سعى لنشر الإسلام وتثبيت العقيدة. لذا، ساهمت المدينة في أسلمة البربر، وتحولت مع الزمن إلى مهدٍ للحضارة الإسلامية في المنطقة.

هذا الإنجاز التاريخي يبرز ضمن إنجازات معاوية، الذي عرف بدهائه وحكمته في الإدارة. وقد اعتمد في حكمه على نظام مركزي فعّال، من خلال إنشاء الدواوين وتنظيم شؤون الدولة، مما جعله أول من أسس نظامًا سياسيًا مستقرًا بعد الفتن. وكان بناء القيروان جزءًا من هذه الرؤية بعيدة المدى، إذ ساهم في تحقيق الأمن وتثبيت سلطة الدولة في مناطق لم تكن سابقًا تحت نفوذ المسلمين.

النتائج المترتبة على إنشاء القيروان كانت عظيمة. فقد أصبحت المدينة منارة علمية وفكرية، وخرج منها فقهاء وعلماء كان لهم دور كبير في نشر المذهب المالكي لاحقًا. كما ساهمت في تقوية الروابط بين المشرق والمغرب الإسلامي، عبر شبكات التجارة والعلم.

إذا تأملنا في قرار معاوية ببناء القيروان، نرى فيه نموذجًا لرؤية سياسية ناضجة. فهو لم يكتفِ بإرسال الجيوش، بل خطط لبناء كيانات حضارية مستقلة تدير نفسها، وتحمل الإسلام في بُعده الديني والسياسي والاقتصادي. وكانت القيروان تتويجًا لتلك الرؤية.

إقرأ أيضا:الطيور التي لا تطير مثل النعامة لماذا تحتاج إلى الريش

إن اتخاذ القيروان عاصمة للمنطقة المغاربية، وتحويلها إلى مركز إشعاع، يدل على مدى وعي الدولة الأموية بضرورة خلق مراكز نفوذ حضارية دائمة، لا مجرد ثكنات عسكرية عابرة. لذا ظلّت القيروان لقرون طويلة معقلًا للثقافة الإسلامية، بل وكانت تُعرف بـ”رابعة الثلاث”، بعد مكة والمدينة والقدس، في مكانتها الروحية.

باختصار، بناء القيروان في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان لم يكن مجرد حدثٍ إداري، بل هو تحولٌ استراتيجي شامل ساهم في بسط النفوذ الإسلامي، وتشكيل هوية حضارية في إفريقيا، تُعد من أعظم إنجازات العالم الإسلامي حتى يومنا هذا.

السابق
خلايا متخصصة تساعد على جمع المعلومات عن البيئة من حولنا
التالي
حوار بين شخصين عن رحلة؟

اترك تعليقاً