السؤال: على أي بلد اطلق بلد المليون نخلة؟
شرح الإجابة:
إن لقب “بلد المليون نخلة” الذي ارتبط بمملكة البحرين لم يكن مجرد تسمية عابرة، بل هو تجسيدٌ لهوية تاريخية وجغرافية ضاربة في أعماق الزمن. فمنذ العصور الغابرة، وصفت هذه الجزر، التي عرفها الإغريق باسم “تايلوس”، بأنها جنة خضراء تكسوها بساتين النخيل الشاسعة، حيث كانت هذه الشجرة المباركة تشكل السمة الطاغية على المشهد الطبيعي للأرخبيل بأكمله.
وهنا يكمن جوهر المسألة، فلم تكن أشجار النخيل مجرد منظر جمالي، بل كانت بمثابة العمود الفقري للحياة ومحور الاقتصاد التقليدي قبل اكتشاف النفط. فقد شكلت ثمارها، أي التمور، مصدراً رئيسياً للغذاء والأمن الغذائي للسكان، فضلاً عن كونها سلعة تجارية هامة. ومن هذه الشجرة استُخرجت مواد البناء الأساسية، فمن جذوعها صنعت أسقف البيوت، ومن سعفها نسجت الجدران والحصائر والأواني، فكانت بذلك رمزاً للاكتفاء الذاتي والازدهار في بيئة تتسم بشح الموارد.
وانطلاقاً من هذا الواقع، تحول الامتداد الهائل لواحات النخيل الكثيفة إلى هوية وطنية ورمز ثقافي راسخ. لم يكن اللقب يعبر عن إحصاء دقيق لعدد الأشجار بقدر ما كان يصف علاقة الإنسان بالأرض، ويرسم صورة ذهنية لمجتمع نبت وازدهر في ظلال هذه الواحات الوارفة، التي كانت تمثل شريان الحياة ومصدر الرزق والعطاء الأبرز في البلاد.
غير أن التحولات الاقتصادية والتوسع العمراني المتسارع خلال العقود الماضية قد أحدثا تغييراً جذرياً في هذا المشهد. لقد أدى الزحف الحضري إلى تقلص مساحات الرقعة الزراعية بشكل ملحوظ، مما أثر على الأعداد الكبيرة من بساتين النخيل التي كانت تغطي الجزيرة. ومع ذلك، لا يقف الأمر عند هذا الحد.
فعلى الرغم من هذا التغير، يظل نخيل التمر رمزاً وطنياً قوياً ومكوناً أساسياً من مكونات التراث البحريني. وتتواصل اليوم الجهود الحثيثة للحفاظ على ما تبقى من هذا الإرث الزراعي العظيم، من خلال مبادرات حكومية وأهلية تهدف إلى حماية الواحات القديمة وتشجيع زراعة المزيد من أشجار النخيل، في محاولة لاستعادة جزء من هذا المجد وإبقاء ذكرى “بلد المليون نخلة” حية في وجدان الأجيال الجديدة.