جدول المحتويات
إجابة مباشرة على سؤال “من المستحيل معرفة سرعة جسيم ومكانه في الوقت نفسه بدقة يعرف هذا بمبدأ؟” هي مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ.
في عالمنا اليومي، تبدو الأشياء واضحة ومحددة. يمكننا أن نعرف بدقة مكان سيارة وسرعتها في أي لحظة. لكن عندما نغوص في أعماق العالم دون الذري، تنهار هذه البديهيات وتظهر قواعد جديدة وغريبة تحكم نسيج الواقع. إحدى هذه القواعد الأساسية، التي هزت أسس الفيزياء الكلاسيكية، هي فكرة أن هناك حدودًا جوهرية لما يمكننا معرفته.
هذه الفكرة ليست مجرد عجز في أدواتنا، بل هي خاصية متأصلة في الطبيعة.
في هذا المقال، سنستكشف بالتفصيل إجابة السؤال المطروح، ونتعمق في مبدأ عدم اليقين الذي صاغه الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبرغ عام 1927، لنفهم كيف يعيد تشكيل نظرتنا للكون.
حل سؤال: من المستحيل معرفة سرعة جسيم ومكانه في الوقت نفسه بدقة يعرف هذا بمبدأ؟
الجواب: مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ (Heisenberg’s Uncertainty Principle).
ما هو جوهر مبدأ عدم اليقين؟
ينتمي هذا المبدأ إلى فرع الفيزياء المعروف باسم “ميكانيكا الكم”، وهو يصف سلوك المادة والطاقة على النطاق الذري ودون الذري. ينص المبدأ ببساطة على وجود علاقة عكسية بين دقة قياس خاصيتين مترابطتين لجسيم، وأشهر مثال على ذلك هما الموقع والزخم (الذي يرتبط مباشرة بالسرعة، فهو حاصل ضرب الكتلة في السرعة).
إقرأ أيضا:شاهد 17,8 مليون مشاهد أحد البرامج الثقافية في التلفاز يوم الثلاثاء وشاهد البرنامج نفسه 16,6 مليون مشاهد يوم الأربعاء أوجد النقصان المئويكلما زادت دقة تحديدك لمكان جسيم مثل الإلكترون، أصبحت معرفتك بزخمه (سرعته واتجاهه) أقل دقة وضبابية. والعكس صحيح تمامًا؛ إذا قمت بقياس زخم الجسيم بدقة متناهية، فإن موقعه يصبح غير محدد على الإطلاق وينتشر في الفضاء.
ببساطة، هو ليس خطأ في القياس.
إنه قانون الطبيعة. هذا التأثير لا يُلاحظ في الأجسام الكبيرة مثل كرة التنس، لأن كتلها الكبيرة تجعل عدم اليقين صغيرًا لدرجة لا تُذكر مقارنة بأبعادها. لكن بالنسبة للإلكترون أو الفوتون، يصبح هذا المبدأ هو القاعدة التي تحكم وجودهما.
لماذا يوجد هذا الحد في المعرفة؟ السبب الجذري
قد يبدو هذا المبدأ غريبًا، لكنه نتيجة مباشرة لأغرب خاصية في العالم الكمومي: الطبيعة المزدوجة للمادة. فالجسيمات مثل الإلكترونات لا تتصرف ككرات صغيرة صلبة فقط، بل تسلك أيضًا سلوك الموجات.
تخيل موجة على سطح الماء. هل يمكنك تحديد “موقع” دقيق للموجة؟ لا، لأنها بطبيعتها ممتدة في الفضاء. لكن يمكنك تحديد طولها الموجي بدقة، والذي يرتبط في العالم الكمومي بزخم الجسيم.
وعلى النقيض، إذا أردت تحديد موقع الجسيم بدقة، عليك أن “تجمّع” هذه الموجة في نقطة واحدة، وهذا يجعلك تفقد تمامًا المعلومات عن طولها الموجي، وبالتالي عن زخمها.
إذًا، محاولة قياس إحدى الخاصيتين بدقة، تدمر بطبيعتها المعلومات المتعلقة بالخاصية الأخرى. إنها مقايضة أساسية فرضتها الطبيعة الموجية-الجسيمية لكل شيء في الكون.
إقرأ أيضا:قامت الدويلات التي انفصلت عن الدولة العباسية في العصر الثاني بمهمة نشر الإسلامما وراء الموقع والسرعة: أبعاد أخرى لعدم اليقين
لم يقتصر الأمر على الموقع والزخم فقط. اكتشف العلماء أن هذه العلاقة تنطبق على أزواج أخرى من الكميات الفيزيائية، وأهمها الطاقة والزمن.
تنص علاقة عدم اليقين بين الطاقة والزمن على أنه لا يمكن تحديد طاقة جسيم بدقة متناهية إلا إذا أخذنا فترة زمنية لا نهائية لقياسها. هذا يعني أنه خلال فترات زمنية قصيرة جدًا، يمكن أن “يستعير” النظام طاقة من الفراغ، مما يؤدي إلى ظهور جسيمات افتراضية تختفي بسرعة. هذه “التقلبات الكمومية” ليست مجرد خيال رياضي، بل لها تأثيرات قابلة للقياس وتفسر ظواهر مثل إشعاع هوكينغ الصادر من الثقوب السوداء.
الصيغة الرياضية التي وضعها هايزنبرغ (σₓσₚ ≥ ħ/2) تضع حدًا أدنى رياضيًا لحاصل ضرب عدم اليقين في هاتين الخاصيتين، وهذا الحد مرتبط بـ “ثابت بلانك”، وهو رقم صغير جدًا يمثل بصمة العالم الكمومي.
كيف غيّر المبدأ فهمنا للذرة؟
قبل هايزنبرغ، كان نموذج بور للذرة يصور الإلكترونات وهي تدور حول النواة في مدارات دائرية محددة، مثل الكواكب حول الشمس. لكن مبدأ عدم اليقين قضى على هذه الصورة تمامًا.
إذا كان الإلكترون في مدار دقيق، فهذا يعني أننا نعرف موقعه وزخمه بدقة في آنٍ واحد، وهو ما ينفيه المبدأ.
لذلك، تم استبدال فكرة المدارات بمفهوم “السحابة الإلكترونية” أو “المدار الاحتمالي”. هذه السحابة لا تحدد مسار الإلكترون، بل تصف المنطقة التي يزداد فيها احتمال وجوده.
إقرأ أيضا:اشتهر أهل الخليج العربي في السابق بتجارة اللؤلؤ الطبيعي . صواب خطأهذا المبدأ هو أيضا سبب استقرار الذرات. فلماذا لا يسقط الإلكترون في النواة بفعل الجذب الكهربائي؟
لأنه لو حُصر في الحيز الصغير جدًا للنواة، فإن موقعه سيصبح محددًا للغاية، مما سيجعل زخمه (وبالتالي طاقته الحركية) عاليًا جدًا لدرجة أنه سيهرب من النواة على الفور. عدم اليقين هو ما يمنح الذرة حجمها ويمنع المادة من الانهيار.
آثار فلسفية عميقة: نهاية الحتمية
كان لمبدأ عدم اليقين آثار تتجاوز الفيزياء لتهز أسس الفلسفة. لقد قضى على فكرة “الحتمية” التي سادت منذ عصر نيوتن، والتي كانت تقول إنه إذا عرفنا موقع وسرعة كل جسيم في الكون، يمكننا التنبؤ بالمستقبل بأكمله بدقة متناهية.
أظهر هايزنبرغ أن الشرط الأول — معرفة الحالة الأولية بدقة — مستحيل من حيث المبدأ. لم يرق هذا الأمر لعلماء مثل ألبرت أينشتاين، الذي عبر عن رفضه بمقولته الشهيرة “الله لا يلعب النرد”. لكن التجارب أثبتت مرارًا وتكرارًا أن الطبيعة على مستواها الأساسي احتمالية وليست حتمية. الواقع الكمومي ليس محددًا مسبقًا، بل هو عبارة عن مجموعة من الاحتمالات التي تتحقق إحداها فقط عند عملية القياس أو الرصد.
خاتمة
في الختام، نؤكد أن الإجابة على سؤال “من المستحيل معرفة سرعة جسيم ومكانه في الوقت نفسه بدقة يعرف هذا بمبدأ؟” هي مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ.
هذا المبدأ ليس مجرد حقيقة غريبة في كتاب فيزياء، بل هو قاعدة أساسية تحكم كل شيء من حولنا. إنه السبب في استقرار المادة التي نلمسها، وهو الذي يسمح للشمس بأن تضيء عبر الاندماج النووي، وهو الذي يفتح الباب أمام تقنيات مستقبلية مثل الحوسبة الكمومية. ما قد يبدو كـ “حد” للمعرفة البشرية هو في الواقع أساس النظام والوجود الذي نعيش فيه. الضبابية في العالم الصغير هي التي تسمح بالوضوح والنظام في عالمنا الكبير.