السؤال: يوم التروية هو اليوم…؟
- الإجابة: يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وفيه يبدأ الحجاج أولى محطات مناسك الحج الفعلية بالتوجه إلى مشعر منى للمبيت وأداء الصلوات.
شرح الإجابة:
يُعَدُّ اليوم الثامن من شهر ذي الحجة نقطة انطلاق محورية في رحلة الحج العظيمة، فهو ليس مجرد يومٍ في التقويم الهجري، بل هو البوابة التي يعبر منها قاصد بيت الله الحرام من مكة المكرمة إلى رحاب مشعر منى، إيذاناً ببدء أعظم مناسك الركن الخامس في الإسلام. في هذا التوقيت تحديداً، تتحول أفئدة الحجيج وأبدانهم نحو أولى المحطات الميدانية، تاركين وراءهم صخب الحياة ليدخلوا في حالة من التأهب الروحي والجسدي لما هو قادم.
ومن هنا، تبدأ رحلة ضيوف الرحمن الفعلية، حيث يتوجهون إلى وادي منى، ذلك المكان الذي سيتحول إلى مدينة من الخيام البيضاء، نابضة بذكر الله وتلبية ضيوفه. إن التوجه إلى منى في هذا اليوم ليس مجرد انتقال جغرافي، بل هو اتباع لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستعداد نفسي لأعظم أركان الحج في اليوم التالي، وهو الوقوف بعرفة. فالمكوث في منى يمثل محطة تمهيدية ضرورية، يتم فيها تهيئة النفس وتجميع القوى الروحية.
وهناك، في رحاب هذا الوادي المبارك، ينغمس الحاج في عبادة خالصة، إذ يُستحب له أن يصلي في منى صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كل صلاة في وقتها مع قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، ثم يبيت ليلته هناك حتى بزوغ فجر اليوم التاسع. وليس هذا المبيت مجرد إقامة مادية، بل هو مدرسة ليلية في التجرد والانقطاع عن الدنيا، وفرصة ثمينة للدعاء والتفكر والتأمل، استعداداً ليوم عرفة المشهود.
أما عن تسمية هذا اليوم بـ “يوم التروية”، فإنها تحمل في طياتها بعداً تاريخياً وعمقاً معنوياً. فقديماً، كان الحجاج يرتوون ويتزودون بالماء من مكة في هذا اليوم ويحملونه معهم إلى منى، استعداداً للأيام التالية في عرفات التي كانت تفتقر إلى مصادر المياه. ومن جانب آخر، فإن للتسمية معنى روحانياً، حيث “يُروّي” الحاج نفسه وفكره بالتأمل والتفكر في عظمة المناسك التي هو مقبل عليها، فيكون ذلك رياًّ للنفس وتجهيزاً للقلب.
وبهذا، يكتمل يوم التروية كمحطة إيمانية متكاملة، فهو يوم الاستعداد والتهيئة والتزود الروحي والمادي. ومع بزوغ فجر اليوم التاسع من ذي الحجة، وبعد أداء صلاة الفجر في منى، تنطلق قوافل الحجيج نحو ذروة المناسك وأعظمها، متوجهة إلى صعيد عرفات الطاهر، ليكون يوم التروية قد أدى دوره كأفضل تمهيد لأعظم يوم في رحلة العمر.