البحر الأسود يعتبر من أكبر البحار الداخلية في العالم، وهو بحرٌ غني بالتاريخ والأساطير. يقع بين جنوب شرق أوروبا وآسيا الصغرى، ويمتد على مسافة شاسعة متصلا بالبحر الأبيض المتوسط عبر مضيق البوسفور وبحر مرمرة.
على مر العصور، تعددت الأسماء التي أُطلقت عليه، ولكن الاسم الأكثر انتشارًا في الوقت الحالي هو “البحر الأسود“. ولكن لماذا سمي البحر الاسود بهذا الاسم؟ وهل له علاقة بلون مياهه؟ أم هناك عوامل تاريخية أو ثقافية وراء التسمية؟
في هذا المقال، سنستكشف الإجابات المحتملة لسبب تسمية البحر الأسود بهذا الاسم من خلال النظر إلى التاريخ، الحروب، الجغرافيا، الفنون، والأساطير المرتبطة به.
جدول المحتويات
الأصول التاريخية لأسماء البحر الأسود
من أقدم التسميات المعروفة للبحر الأسود هو الاسم الذي أطلقه الإغريق القدماء عليه، “بونتوس أكسينوس” والذي يعني البحر “غير المضياف”.
كان هذا الاسم مرتبطًا بسمعة البحر السيئة في تلك الفترة، حيث كانت الإبحار فيه يشكل تحديات كبيرة نتيجة العواصف الشديدة، وظروف الملاحة القاسية. كما كانت القبائل البدوية والمُحاربة تعيش على ضفافه، مما جعل التجار والبحارة يعتبرون مياهه خطيرة وغير آمنة.
ومع مرور الزمن وتوسع الإغريق في استكشاف البحر وإنشاء المستعمرات على سواحله، تحول الاسم إلى “بونتوس إيوكسينوس” الذي يعني “غير مضياف”.
وقد أطلق الأتراك عليه اسم “كارا دنيز” (Kara Deniz)، وهو الاسم الذي يعني “البحر الأسود” باللغة التركية العثمانية، وهو الاسم الذي ما زال مستخدمًا حتى اليوم.
إقرأ أيضا:نجاة نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم من محاولة الإغتيالالترجمات وأصل التسمية
تشير الترجمات المختلفة إلى أن الاسم الحالي، “البحر الأسود”، قد يكون مستمدًا من اللغة التركية العثمانية كما ذكرنا. لكن هناك أيضًا تفسير يعتمد على المصطلحات الإيرانية القديمة، حيث تشير كلمة “أكسينوس” إلى اللون الداكن، ما يعزز فكرة أن التسمية ربما ارتبطت بلون المياه الداكنة في فترات معينة من السنة.
الحروب والاستكشافات وتأثيرها على التسمية
منذ آلاف السنين، كان البحر الأسود مسرحًا للعديد من الحروب والصراعات، من الغزو الفارسي والإغريقي إلى الحملات الرومانية والبيزنطية وحتى الغزوات العثمانية.
كانت كل حضارة تطلق اسما مختلفا على هذا البحر، حسب تجربتها معه. فالإغريق اعتبروه بحرا غير مضياف في البداية بسبب الصعوبات التي واجهوها في الإبحار عبره، وكذلك بسبب القبائل العنيفة التي كانت تسيطر على سواحله.
على الجانب الآخر، لعبت الاستكشافات الجغرافية دورًا كبيرًا في تغيير أسماء الأماكن. كلما تعرفت حضارة جديدة على هذا البحر وبدأت في الإبحار فيه، تم تغييره اسمه حسب فهمهم للبحر.
وقد تم إطلاق أسماء مختلفة عليه من شعوب أخرى غير الإغريق والأتراك، مثل الروس والعرب، حيث أطلق العرب عليه اسم “بحر روس” و”بحر البنطس”.
أثر الاستكشافات على التجارة
تاريخيا، كانت الطرق التجارية عبر البحر الأسود تحظى بأهمية كبيرة كان يمثل محطة تجارية رئيسية تربط بين الشرق والغرب، وبين الحضارات الأوروبية والآسيوية. وقد أثر ذلك على النظر إليه بطرق مختلفة، مما زاد من تنوع التسميات التي أطلقت عليه.
إقرأ أيضا:تركيا تواصل ترحيل اللاجئين السوريين بشكل قسريالأساطير والحكايات الشعبية حول تسمية البحر الأسود
إلى جانب العوامل التاريخية والجغرافية، هناك العديد من الأساطير والحكايات الشعبية التي حاولت تفسير تسمية البحر الأسود.
واحدة من تلك الأساطير تقول إن السبب وراء التسمية هو كثرة العواصف التي كانت تجعل البحر يبدو مظلمًا وسوداء، مما دفع البحارة القدماء إلى إطلاق هذا الاسم عليه. وكان يعتقد أن هذه العواصف تأتي نتيجة غضب الآلهة القديمة التي تسكن في أعماق البحر.
علاقة الأساطير بالأديان والفنون
على مر العصور، ارتبطت تسمية البحر الأسود أيضًا بالفنون والطقوس الدينية. العديد من الحضارات التي سكنت حوله كانت تؤمن بقوى خارقة للطبيعة تسكن في أعماقه. وقد تم تصوير البحر في الكثير من الأعمال الأدبية والفنية كبحرٍ مظلم وغامض، ما يعزز الارتباط بين الاسم واللون.
التفسيرات العلمية وراء تسمية البحر الأسود
هناك عدة تفسيرات علمية حديثة تتعلق بتسمية البحر الأسود، والتي تركز بشكل رئيسي على طبيعة المياه والظواهر الطبيعية التي تحدث فيه.
من بين تلك التفسيرات، واحدة من الفرضيات الرئيسية تشير إلى أن اللون الداكن للمياه ناتج عن التركيب الكيميائي للبحر. حيث يحتوي على نسبة عالية من الكبريتيد الهيدروجيني في الأعماق. هذا العنصر الكيميائي يؤدي إلى قلة الأكسجين في الطبقات السفلى من المياه، ما يجعلها تبدو سوداء.
إقرأ أيضا:المغربي جمال بن صديق يواجه القضاء البلجيكي في قضية اختطاف عامل ميناءالتأثير الجيولوجي والظروف المناخية
يُعتقد أيضًا أن الظروف المناخية في المنطقة تلعب دورًا كبيرًا في ظهور البحر باللون الداكن. في فصل الشتاء، تتجمع السحب الداكنة فوقه، ما يجعل مياهه تبدو سوداء، خاصة خلال العواصف. كما أن الطين والرواسب التي تجرفها الأنهار المحيطة بالبحر تزيد من ظاهرة اللون الداكن.
الجدل بين المؤرخين حول أصل التسمية
مع مرور الزمن، نشأ جدل كبير بين المؤرخين والباحثين حول أصل تسمية البحر الأسود. بعضهم يرى أن التسمية كانت رمزية وليست حرفية، حيث كانت تشير إلى طبيعته المظلمة والغامضة، خاصةً خلال الفصول التي تكثر فيها العواصف.
بينما يعتقد آخرون كما ذكر موقع ScienceDirect أن أصل التسمية لها علاقة بالتوجهات الجغرافية حيث كان الشمال يُرمز له باللون الأسود في بعض الحضارات القديمة.
علاقة البحر الأسود بالبحار الأخرى
في إطار الجدل التاريخي، تمت المقارنة بين البحر الأسود وغيره من البحار. فعلى سبيل المثال يُعتقد أنه سمي كذلك على غرار تسمية البحر الأحمر، حيث كان كلٌ منهما يحمل اسما مرتبطًا باللون، وذلك بناءً على الظواهر الطبيعية التي تلاحظ فيهما.
خاتمة
في نهاية المقال عن لماذا سمي البحر الاسود بهذا الاسم، نستطيع القول أنه سيبقى بحرا غامضا في العديد من نواحيه، سواء من حيث تسميته أو تاريخه. وعلى الرغم من تعدد النظريات والفرضيات حول سبب تسميته بهذا الاسم. فإن اللون الداكن لمياهه والظروف المناخية القاسية التي يمر بها قد تكون السبب الأكثر منطقية.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية وراء التسمية، فإنه يظل واحدا من أهم البحار التي لعبت دورا كبيرا في التجارة والحضارات عبر التاريخ، محملًا بالعديد من الحكايات والأساطير التي تضفي عليه طابعا خاصا من الغموض.