يتم استغلال ظاهرتي المد والجزر في توليد الطاقة الكهربائية عن طريق محطات توليد تعمل على تحويل الطاقة الحركية الناتجة عن حركة المد والجزر إلى طاقة كهربائية. يتم ذلك ببناء سدود وأبراج أو غرف مائية تسمح بمرور المياه عبر توربينات تدور وتولد الكهرباء.
في هذا المقال، سنتحدث عن تعريف المد والجزر، وطرق استغلالهما لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى مزايا هذا المصدر الطاقي والتحديات التي تواجهه، مع إلقاء الضوء على أمثلة ناجحة من مختلف أنحاء العالم.
جدول المحتويات
تعريف المد والجزر
المد والجزر¹ هي ظاهرة طبيعية تتأثر بجاذبية الشمس والقمر، حيث تؤدي هذه الجاذبية إلى ارتفاع وانخفاض منسوب مياه المحيطات والبحار بشكل دوري. يُعرف المد بارتفاع مؤقت لمستوى المياه، بينما يُعرف الجزر بانخفاضها المؤقت. تنتج هذه التغيرات من قوى جاذبية الشمس والقمر، إضافةً إلى تأثير دوران الأرض الذي يولد قوة طاردة مركزية، خصوصاً عند خط الاستواء.
تتنوع أنماط المد والجزر حسب المواقع الجغرافية، حيث تشهد بعض الشواطئ مدين وجزرين متساويين تقريباً يومياً، وهذا يسمى المد نصف اليومي.
في مواقع أخرى، يحدث مد واحد وجزر واحد كل يوم، ويعرف بالمد اليومي. كذلك، يوجد نمط مختلط من المد والجزر يحدث في بعض المواقع، حيث تتفاوت في عددها وارتفاعها، وتؤثر عوامل عديدة على هذه الظاهرة مثل موقع الشمس والقمر، ونمط المد والجزر في المحيطات العميقة، وتضاريس السواحل.
إقرأ أيضا:استخدامات العدسة المقعرة في الحياة اليوميةتكتسب ظاهرة المد والجزر أهمية كبيرة، فهي تساعد في تنظيف البحار والمحيطات من الرواسب والشوائب، كما تستخدم في تحديد مواعيد دخول وخروج السفن في الموانئ. على الرغم من فوائدها، إلا أن المد الشديد يمكن أن يكون خطيراً على الملاحة، خاصةً في المناطق الضيقة.
الطرق الرئيسية لاستغلال ظاهرتي المد والجزر
تعتبر ظاهرتا المد والجزر من الظواهر الطبيعية التي قدمت للإنسانية إمكانية هائلة لاستغلال طاقة المدجزرية المتجددة. تتعدد الطرق الأساسية لاستغلال هذه الظواهر وتحويلها إلى طاقة كهربائية، مما يعكس التنوع في الأساليب والتقنيات المستخدمة. فيما يلي عرض لأبرز الطرق المتبعة.
1. السدود المدجزرية
تعتبر السدود المدجزرية من البنى التحتية التي يتم استغلال ظاهرتي المد والجزر فيها لتوليد الطاقه الكهربائيه المبتكرة والمهمة. يتم تصميم هذه السدود في الغالب في مصبات الأنهار أو الخلجان، حيث يمكن الاستفادة من التغيرات المتكررة لمستوى الماء الناتجة عن المد والجزر.
يتم بناء هياكل السدود المد والجزرية باستخدام مواد قوية وقادرة على تحمل الضغوط الهائلة الناتجة عن مياه البحر. تشتمل هذه الهياكل على بوابات تحكم تسمح بتدفق المياه، مما يساهم في تجميع المياه خلال فترة المد.
آلية عمل السدود المدجزرية تعتمد على استخدام الفرق في مستويات المياه أثناء المد والجزر. خلال فترة المد، يتم فتح بوابات السدود لتسمح بدخول المياه إلى الخزان، مما يزيد من مستوى المياه في هذا الخزان. وعند حلول فترة الجزر، يتم إغلاق هذه البوابات، ما يؤدي إلى احتجاز المياه داخل الخزان.
إقرأ أيضا:هل يمكن لمخلوقات حيه تنتمي الى ممالك مختلفه ان تكون في الشعبه نفسها ولماذايمكن بعد ذلك تحرير المياه المحتجزة عبر التوربينات، حيث يتم تحويل الطاقة الحركية الناتجة عن تدفق المياه إلى كهربائية.
محطة رانس في فرنسا تعد واحدة من أبرز الأمثلة على السدود المدجزرية. تم الانتهاء من بنائها في بداية الستينات، وتعتبر واحدة من أكبر المنشآت من هذا النوع في العالم.
تساهم بشكل كبير في تلبية احتياجات الطاقة في المنطقة، مما يعكس فعالية السدود المدجزرية وقدرتها على تحقيق التوازن بين الطاقة المستدامة والحفاظ على البيئة.
2. التوربينات المائية
التوربينات المائية أو العنفة المائية من العناصر الأساسية التي تستخدم في استغلال ظاهرتي المد والجزر في توليد الطاقه الكهربائيه. تعمل هذه التوربينات على استغلال الحركة الطبيعية للمياه، حيث يتم تركيبها بشكل استراتيجي في المناطق التي تشهد تغيرات كبيرة في مستوى الماء بين المد والجزر. ويكون التوربين المائي مصمم خصيصا لتحمل الضغط الكبير الذي تتعرض له تحت الماء.
تتواجد بأشكال متعددة تلبي احتياجات مختلفة من الضغط والماء. من بين هذه الأنواع، نجد ثلاثة أنواع رئيسية تستخدم على نطاق واسع:
- عجلة بلتون.
- توربين فرانسيس.
- توربين كابلن.
تتكون التوربينات المائية عموما من شفرات دوارة محمولة على محور، وتعمل من خلال تحويل الطاقة الحركية الناتجة عن حركة المياه إلى طاقة ميكانيكية، ثم إلى كهربائية بواسطة مولدات كهربائية متصلة بها.
إقرأ أيضا:تمتاز الثدييات عن بقية الحيوانات الفقارية بأنهافعند ارتفاع مستويات المد، تتدفق المياه عبر التوربين، مما يدفع الشفرات للدوران. وعندما يحدث الجزر، يمكن استخدام نفس التوربينات عن طريق تدفق المياه في الاتجاه المعاكس، مما يجعلها تعمل بكفاءة على مدار اليوم.
يحتاج تركيب التوربين المائي إلى دراسات دقيقة لتحديد المواقع المثلى وتوفير الأمان اللازم، حيث يلعب العمق وتيار الماء دورًا حاسمًا في الأداء العام للتوربين.
في النهاية تسهم التوربينات المائية بشكل ملحوظ في استغلال الطاقة المتجددة، مما يُعزز من قدرة الدول على الاستغناء عن مصادر الطاقة التقليدية ذات التأثيرات السلبية على البيئة.
مزايا توليد الطاقة من المد والجزر
تُعتبر طاقة المدجزرية من الخيارات الواعدة لتوليد الكهرباء، حيث تتمتع بمجموعة من المزايا التي تجعلها جذابة كمصدر للطاقة المتجددة. أولاً، تعدُّ هذه المصدر نظيفًا، إذ لا تنتج عنه انبعاثات غازية تسهم في تلوث البيئة، مما يساهم في الحفاظ على البيئة وصحة الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، تُظهر هذه التقنية كفاءة عالية مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة الأخرى، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. فعلى الرغم من أن تلك المصادر تعتمد على الظروف المناخية المتغيرة، فإن المد والجزر يستند إلى حركات طبيعية تحدث بدقة وبانتظام. هذا يعني أن توقع الكمية المنتجة من الطاقة أصبح أسهل وأدق، مما يمكّن المجتمعات من التخطيط لاستخدام الكهرباء بشكل فعّال.
علاوة على ذلك، توفر هذه التقنية استقرارًا ملحوظًا في الإنتاج. فمعظم طرق توليد الطاقة تعتمد على حالات الطقس غير المستقرة، بينما تظل طاقة المد والجزر ثابتة بفضل تنبؤات حركة المياه. هذا الجانب من استغلال هذه الموارد يجعلها بديلاً موثوقًا للمصادر التقليدية، مما يعزز قرار الدول في استثمار المزيد من الجهود في تطوير هذه التقنيات.
التحديات التي تواجه هذه التقنية
تعتبر الطاقة الناتجة عن ظاهرتي المد والجزر أحد الحلول المستدامة للطاقة المتجددة، لكنها تواجه عدة تحديات عقيمة قد تعوق تطورها وانتشارها.
التكلفة العالية لإنشاء محطات الطاقة
أولى هذه التحديات هي التكلفة المرتفعة لبناء محطات الطاقة. يتطلب إنشاء نظم توليد الطاقة من المد والجزر استثمارات هائلة في البحث والتطوير، بالإضافة إلى مصاريف الإنشاء والصيانة. على الرغم من أن هذه التقنية قادرة على تقديم طاقة مستدامة وصديقة للبيئة، إلا أن هذه النفقات قد تعقد من عملية تمويل المشاريع في البداية، مما يستدعي دعمًا حكوميًا وتحفيزًا أكبر من قبل الجهات المعنية.
علاوة على ذلك، فإن تأثيرات هذه المشاريع على البيئة البحرية والنظام البيئي تعد أيضا من المخاطر المهمة. قد يؤدي بناء العوائق البحرية مثل السدود والأقفال إلى تغيير مستويات المياه وتدفقها، مما قد يؤثر سلبًا على الحياة البحرية، كالأصناف السمكية والأنظمة البيئية الحساسة. يستدعي الأمر إجراء دراسات شاملة لتقييم التأثيرات البيئية قبل تنفيذ مشروعات المد والجزر. كما أن عمليات البناء والتشغيل قد تعرقل مواقع تكاثر الأسماك وتجعلها عرضة للفقد أو الانقراض.
أخيرا، تعتبر المخاطر المرتبطة بتغير المناخ من العوامل المهمة التي تؤثر على استدامة مشروعات توليد الطاقة من المد والجزر. تقلبات مستوى البحار والعواصف يمكن أن تؤدي إلى زيادة مخاطر التآكل والأضرار، مما يستدعي تصميم محطات قادرة على مواجهة هذه الظروف.
المواقع المناسبة
تعتبر عملية اختيار المواقع المناسبة لإنشاء محطات الطاقة المد والجزرية من العناصر الحاسمة التي تؤثر على كفاءة ونجاح هذه المشاريع. يعتمد ذلك على مجموعة من العوامل الطبيعية والبيئية، التي تعد من أبرز التحديات التي تواجه هذه التكنولوجيا. تتطلب هذه المحطات وجود مواقع مائية تتمتع بفروقات ملحوظة في مستويات المياه بين المد والجزر، وهو أمر يمكن أن يتوفر في مناطق معينة أكثر من غيرها.
من بين العوامل التي تؤخذ بعين الاعتبار نسبة حركة المياه، حيث ينبغي أن تكون المنطقة المختارة قادرة على إنتاج طاقة كبيرة من خلال المد والجزر. كما يلعب عمق المياه وسرعة تيارات المد دوراً مهماً في تحديد فعالية محطة الطاقة. من الأفضل أن تكون المواقع قريبة من المراكز السكانية لتسهيل نقل الكهرباء المُولَّدة وزيادة الكفاءة الاقتصادية للمشروع.
إلى جانب ذلك، ينبغي مراعاة الجوانب البيئية، بما في ذلك تأثير المشروع على النظام البيئي المحلي. قد تكون بعض المواقع مثالية من ناحية حركة المياه ولكنها قد تسبب أضراراً بالنظم البيئية المحيطة.
يفضل استخدام تقنيات متقدمة لتقييم أثر مشاريع الطاقة المد والجزرية على الحياة البحرية والموائل الطبيعية، مما يتيح تحقيق التوازن بين تطوير الطاقة المستدامة والحفاظ على البيئة.
عند النظر إلى عمر المحطات، ستكون بعض المواقع أكثر ملاءمة ليس فقط من حيث إمكانية توليد الطاقة، بل أيضاً من حيث كلفة الإنشاء والصيانة.
لذلك، يجب أن تتناول الدراسات الأولية تقييمات شاملة لهذه العوامل لضمان اختيار الموقع الأمثل، الذي يساهم في تعزيز فعالية استغلال ظاهرتي المد والجزر لتوليد الطاقة الكهربائية.
أمثلة ناجحة لتوليد الطاقة من المد والجزر
حظي توليد الطاقة من ظاهرتي المد والجزر باهتمام عالمي ملحوظ، حيث تم تنفيذ عدد من المشاريع الناجحة في مختلف البلدان. تعتبر محطة “La Rance” في فرنسا واحدة من أولى محطات الطاقة المد والجزرية التي تم إنشاؤها في عام 1966. تقع المحطة على مصب نهر رانس وتستخدم فرق ارتفاع المد والجزر لتوليد الكهرباء. تمتلك المحطة قدرة إنتاجية تصل إلى 240 ميغاوات، وهي تسهم في توفير الكهرباء لنحو 300,000 منزل.
من جهة أخرى، تبرز محطة “Sihwa Lake” في كوريا الجنوبية كواحدة من أكبر محطات الطاقة المد والجزرية في العالم، حيث تمتلك قدرة إنتاجية تصل إلى 254 ميغاوات. افتتحت هذه المحطة في عام 2011، وتستفيد من زيادة مستويات المياه خلال الظواهر المدية. إذ تسهم المحطة في توفير الطاقة بما يعادل احتياجات نحو 500,000 منزل، بالإضافة إلى دورها الهام في السيطرة على الفيضانات في المنطقة المحيطة. يعتمد التصميم الفريد للمحطة على نظام توربينات متقدم، يعزز الكفاءة التشغيلية ويقلل الانبعاثات الكربونية.
أما في المملكة المتحدة، فإن مشروع “Meygen” في اسكتلندا يعتبر مثالاً بارزاً آخر، حيث يتم تطويره في كريك “Pentland”. يمثل هذا المشروع إنجازًا في استخدام الطاقة المتجددة، حيث يستهدف إنتاج 398 ميغاوات عند اكتماله. يتم التركيز في هذا المشروع على توربينات تحت الماء، التي تعمل على استغلال الحركة الطبيعية للمياه في المنطقة.
من المتوقع أن يسهم “Meygen” بشكل كبير في تلبية احتياجات الطاقة المحلية وتعزيز الجهود نحو الوصول إلى أهداف تقليل انبعاثات الكربون.
تعدّ هذه المشاريع بمثابة نماذج ناجحة لتوليد الطاقة من المد والجزر، مع تحقيق فوائد اقتصادية وبيئية ملحوظة للمجتمعات المحلية.
المستقبل والتطورات المتوقعة
مع تزايد الحاجة إلى مصادر متجددة يتوقع أن تشهد السنوات المقبلة تطورات مثيرة في هذا المجال، بفضل الابتكارات التكنولوجية المتزايدة التي تهدف إلى تعزيز كفاءة الأنظمة المستمدة من المد والجزر. وتتميز هذه التطورات بزيادة فعالية استغلال الطاقة الحركية الناتجة عن حركة المياه المرتبطة بهذه الظاهرة، مما يمكّن من إنتاج كهرباء أكثر استدامة.
من المتوقع أن تسهم الأبحاث الجارية في تطوير أجهزة جديدة تعتمد على تكنولوجيا مبتكرة، مثل التوربينات البحرية القابلة للتكيف مع ظروف المد والجزر المختلفة. ستكون هذه الأجهزة أكثر كفاءة، مما يسمح بتوليد مزيد من الطاقة في فترات زمنية أقصر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأنظمة المرتبطة بالمد والجزر يمكن أن يحسن إدارة الشبكات الكهربائية، مما يزيد من موثوقية وفعالية هذه المنظومات.
على صعيد الابتكارات المعمارية، قد نشهد تصاميم جديدة لمنشآت توليد الكهرباء من المد والجزر، قادرة على التغلب على التحديات البيئية واللوجستية. يعتبر تطوير هذه المنشآت جزءاً أساسياً من خطة البناء المستدام، وستساهم في تعزيز قبول المجتمع لهذه التقنية كبديل عن المصادر التقليدية.
فمع تزايد الاستثمارات في هذا القطاع، يصبح من المرجح أن تدخل الأنظمة المستمدة من المد والجزر في الاستخدام التجاري على نطاق واسع.
بشكل عام، تشير التوجهات المستقبلية إلى إمكانية أن تصبح الطاقة المستمدة من المد والجزر إحدى ركائز الأمن الطاقوي العالمي، مما يعزز من قابلية استخدامها كمصدر رئيسي للكهرباء النظيفة.